كارل كوسا
قل لي «أنت موالاة أو معارضة» لأقول لك إن كنت ما زلت مِن أصدقائي المقرّبين. «معارضة أو موالاة» باتت تلك تحيّة اللبنانيين، التي يجابه بها بعضهم بعضاً، منذ «لبنان ما بعد ا كانون الأول».
لم يعد الفرز السابق «8 و 14 آذار» ساري المفعول. كما لم تعد صيغة «اليسار واليمين» صالحة للاستعمال منذ أزمنة خشبيّة عدّة. لأوّل مرّة، بات اللبنانيّون يتحفّظون عن التصريح بانتماءاتهم السياسية، التي لم يكن الأصدقاء يصرّون، سابقاً، على معرفتها، بهذا الشكل. تلعثم الشباب لدى رميهم بطلقات «إنت سلطة أو معارضة» بدا ملحوظاً، لدرجة باتوا فيها رافضين أن يكون التقويم الأخلاقي والإنساني رهن الإجابة عن هذا السؤال المُحرِج.
وكأنّ هذه النوعية من الأسئلة ما اعتادتها آذانهم. لدرجة يضطرّ فيها الكثيرون إلى التهرّب من هذه الصياغة الجديدة لسؤال صار يُشكِّل مداميك الصداقات الأساسية، ويتحكّم في استمرارية
بعضها، أحياناً.
فها هو كريم فاقد لغياب صديقه نبيل عن لائحة صداقاته الإلكترونية على الـ«MSN Messenger».
وما يُضاعف شكوكه في أنّ نبيل ألغى بريده الإلكتروني من «المسنجر» خاصّته، لأسباب أفرزها اعتصام «نحن»، هو أن نبيل قد تذمّر، أخيراً، من اسمه الحركي الجديد (Nick Name) المواكب للتطورات السياسية الأخيرة «نـ حـ ن: نريد حكومة نظيفة. يا صنّاع الفتن حلّوا عن هالوطن».
فيروي كريم أنّ نبيل صُعِق، لدى قراءته لهذا الاسم الحركي، معتبراً أنّ فيه «تجنّياً مبالغاً فيه على السنيورة وحكومته الوطنية». فردّ عليه كريم، يومذاك، أن لكل منّا وجهات نظر لا ينبغي أنّ تؤثّر أو أن تسيّر صداقاتنا وعلاقاتنا الإنسانية. فما كان من نبيل إلّا أن دافع عن فريقه بـ «كيف فينا نضلّ أصحاب إذا إنت عم بتخوّنّي».
فأكّد له كريم أنه لا يقصد تخوينه شخصياً، وأنّه في الوقت عينه، وفي هكذا مرحلة حسّاسة من تاريخ الوطن، لا يستطيع أن يكون حيادياً. امتناع نبيل من الرد على اتصالات كريم الهاتفية كلّها، وحتى على رسائله الخلوية والإلكترونية، زاد من حزن كريم، خاصّة أن نبيل كان يؤكّد له دائماً أن لا ميول سياسية له البتة، وأنه يحبّ جميع اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، من دون تفرقة.
فتبيّن له، أخيراً، أنّ نظرة نبيل لحزب الله والمقاومة هي النظرة الغربية والأميركية والصهيونية عينها. واكتشف كريم أنّه ليس وحده من يعاني هذه الظاهرة الغريبة. لكنّه واثق من أن «أصابع اليد مش مثل بعضها»، وأنّه ما زال في الإمكان المضي في صداقات، وبناء المزيد منها، بعيداً من أتون الفتن المحيقة ونيران السياسة المفرِّقة.