جان عزيز
تتردد أوساط سياسية كانت قد التقت الأمين العام لجامعة الدول العربية أثناء زيارته لبيروت الأسبوع الماضي، بين قراءتين متمايزتين لآفاق محطته اللبنانية الثانية المرتقبة اليوم.
وتنطلق الأوساط نفسها في القراءتين، من التسليم بحدّة ذكاء المسؤول العربي وجديته وعمق اطلاعه على الواقع اللبناني وتعقيداته، وأخيراً صراحته التي قد تلامس حدوداً عليا، إذا ما أحسّ بعقم حركته أو انسداد الأفق. ولذلك تؤكد هذه الأوساط أن عودة عمرو موسى اليوم ـــ إلا إذا طرأ ما يلغيها أو يؤجلها ـــ لا بد من أن تحمل دلالة على انفتاح سبل الحل، وفق قراءة من اثنتين:
الأولى، متواضعة واقعية تقول انه يدرك استحالة إقرار تسوية شاملة في لبنان اليوم. فهو يعرف أن سوريا لن «تبيع» شيئاً في بيروت إلاّ الى الأميركيين مباشرة، ولقاء سلّة متكاملة. ويعرف أيضاً أن واشنطن تحجم الآن عن التفاعل مع طروحات سورية كهذه، في انتظار بلورة خياراتها الشرق أوسطية الجديدة، بدءاً من العراق. وبالتالي فإن موسى يعرف أكثر من غيره أن الحلول اللبنانية الكاملة مستحيلة الآن، فيما التفجير البيروتي الشامل يمثّل مقتلاً الآن أيضاً. وهو لذلك، ووفق القراءة المتواضعة للأوساط التي التقته، يسعى الى مجرد إقرار هدنة، عنوانها المحكمة والحكومة، على أن يترك الباقي الى زمن نضوج التسويات.
وتقول القراءة نفسها إن الحديث عن البنود الأخرى المدرجة على جدول أعمال التفاوض، ليست إلاّ لوازم واكسسوارات لإخراج «الهدنة»، وهي ليست للتنفيذ الفعلي. إذ تقول هذه القراءة أيضاً، إنه بعد مقايضة المحكمة بالحكومة، تتجمد الآليات اللاحقة، برضى الأطراف اللبنانية نفسها، فيقتنع الجميع بما قسمت لهم التسوية، وينتظرون سنة كاملة حتى نضوج الاستحقاقات المحلية والإقليمية والدولية، فيكون موسى قد أنجز مهمته كاملة، ولا يتحمل في عدم اكتمالها أي مسؤولية.
وفي المقابل تطرح الأوساط اللبنانية التي التقت المسؤول العربي الأسبوع الماضي في بيروت، قراءة ثانية أكثر تفاؤلاً وطموحاً، وهي تقول إن السعي الى إمرار تسوية شاملة مسألة يأخذها موسى بجد، وهو عمل عليها ولا يزال. وتؤكد الأوساط نفسها أن مسألة التغيير الرئاسي تمثّل نقطة محورية في مبادرة موسى، وهو حاول استشراف سبل مقاربتها ومعالجتها. وترجح الأوساط أن موسى حمل الى بكركي الأسبوع الفــــــائت ثلاثة أسماء مرشحين رئاسيين محتملــــــــين، بينهـــــــم وزيران سابقان وموظف كبير مدني حالي. وتعتقد أن موسى أحاط خطوته هذه بالقدر الأقصى من الكتمان نظراً الى حساسيــــــــة الموضوع، وإلى هشاشة بعض الأسماء المطروحة من وجهة نظر القوى السياسية المتقابلة.
وترجح الأوساط نفسها أيضاً أن يكون موسى قد خرج من اجتماع الصرح من دون الحصول على أي إشارات بطريركية حول الموضوع المطروح، من جهة المبدأ ومن جهة الأسماء التي «رماها» على سبيل المثال، وهو ما دفع الأمين العام الى محاولة فهم موقف بكركي عبر لقاء جانبي تردد أنه جمعه الى أحد الأساقفة، من دون أن تكون النتيجة أكثر وضوحاً أو ثمراً.
وفي كل حال، تتابع القراءة الثانية المتفائلة للأوساط نفسها، أن موسى يراهن على آلية المتابعة الآتية: في خطوة أولى يحصد من زيارته للرياض مجموعة أوراق، لبنانية ـــ لجهة إقناع سعوديي بيروت بالحل ـــ وعربية ـــ لجهة إعادة الاتصالات بين الرياض ودمشق ـــ ودولية ـــ لجهة السعي السعودي لدى واشنطن من أجل تحييد لبنان عن سيناريو غزة.
بعدها تكون هذه الأوراق موضع بلورة وتسوية وضمانة، أثناء زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى موسكو. وفي محطة ثالثة يعرج موسى على دمشق ومنها الى بيروت. لتتزامن خطوته هذه مع زيارة سورية على مستوى رفيع الى القاهرة ومنها الى الرياض، فتنضج التسوية، وينطلق الحل الشامل.
وتؤكد الأوساط نفسها أن بعض المعنيين لبنانياً وسورياً وأميركياً، استشعروا معالم هذا الطرح فبادروا الى محاولة الدخول على خطه، أو التكيّف معه. ففي بيروت نشط أحد المرشحين الثلاثة، رغم وظيفته الرسمية، في الاجتماع المتكرر والمكثف مع سفير دولة عظمى، لدى رجل أعمال شاب. وفي دمشق، صدرت تلميحات الى جهات دبلوماسية غربية وزوار أوروبيين، بشأن نية سوريا الانتقال الى الخطوة التالية من تحقيقها الخاص في جريمة اغتيال رفيق الحريري، والتي قد تؤدي الى ملاحقة بعض المسؤولين من المراتب الدنيا، بتهم «التقصير اللبناني»، إن لم يكن التورط. وهو ما يفتح ملف جريمة 14 شباط على «السيناريو الليبي» وتكرار لوكربي. أما أميركياً، فتردد أن مادة الامتحان المقبل للاستحقاق الرئاسي اللبناني قد وضعت، وهي تتضمن سؤالاً وحيداً: كيف ستنزعون سلاح «حزب الله»؟
أي من القراءتين تأخذ طريقها الى أرض الواقع اللبناني؟ مسألة لن تتأخر الإجابة عنها، وهي مرشحة لصيغة جواب أولي اليوم، مع زيارة موسى أو عدمها، ومع حديثه المرتقب عن نسب الأمل التي يجيد قياسها بميزان من ذهب.