إبراهيم الأمين
يتجه التحقيق المحلي والدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري صوب أكثر المراحل حساسية بعد التقرير الأخير لرئيس اللجنة سيرج براميرتس وما تسرب من حوله من معلومات وردود الفعل الحقيقية للأطراف المعنية. وكشفت المعلومات الواردة من أكثر من مصدر أن براميرتس قدم تبريراً لطلبه تمديد مهمته في دائرة ضيقة جداً، وهو أطلع كبار المسؤولين في الأمم المتحدة على نقاط التقدم في تحقيقه وعلى ما يواجه من صعوبات وما يحتاجه من دعم تقني ومالي ومعنوي للمرحلة المقبلة من التحقيق.
وبدا أن طلب براميرتس تطور خلال اليومين الماضيين إلى ما يشبه الشكوى المرسلة على عجل إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة التي طلب منها التدخل بقوة لمنع سلفه ديتليف ميليس من الإدلاء بمواقف ذات طابع سياسي وإن أخذت شكلاً تقنياً بعدما تلقى براميرتس معلومات كثيرة عما يقوم به ميليس في الأوساط السياسية والإعلامية في بيروت وخارجها.
ووفقاً للمعلومات، فإن براميرتس علم بصورة تفصيلية نية ميليس توجيه انتقادات له من أبواب مختلفة، بينها القول إنه يعمل ببطء شديد وإنه يهمل عن عمد استراتيجية التحقيق التي اعتمدت سابقاً والتي يقول ميليس إنها حققت له الكثير من النتائج، بينها معرفة مسبقة بكثير من العناصر التي تدل على هوية منفذي الجريمة، إضافة إلى الهزء من جانب ميليس بإعلان براميرتس الأخير عن أن التفجير تم بواسطة شاحنة الميتسوبيشي وأنه أعلن ذلك منذ اليوم الأول لوصوله إلى لبنان. كذلك رفض ميليس انتقادات براميرتس الواردة في تقاريره أو الواردة في مراجعاته مع المسؤولين الدوليين أو مع فريق التحقيق اللبناني لطريقة العمل السابقة، بما في ذلك إصدار توصيات بتوقيف هذا وإطلاق آخر وخلاف ذلك من الأمور الإجرائية.
ويبدو أن ميليس اعتذر عن عدد من المقابلات الإعلامية التي كانت مقررة، وأرفق اعتذاره بالإشارة إلى ارتباطات مستجدة لديه في برلين، علماً بأنه ينوي قريباً إجراء مقابلات مع صحف أميركية رفيعة، فيما يواصل مع نائبه غيرهارد ليمان تسريب معلومات إلى عدد من المؤسسات الإعلامية، وخصوصاً في ألمانيا، وكذلك إلى شخصيات سياسية وإعلامية لبنانية وعربية قال فيها ما يراه مناسباً في إطار “الدفاع عمّا قام به، ولفت انتباه إلى أخطاء يرتكبها براميرتس” على حد تعبير أحد الذين تحدثوا مع القاضي الألماني.
ويبدو أن مشكلة ميليس مع براميرتس تتجاوز ما هو ظاهر. حتى إن ما أشار إليه الأخير في الفقرة 103 من تقريره الأخير عن أن بعض الدول «تجاوبت بشكل غير كامل أو بتلكؤ أو لم تتجاوب قط في نهاية مرحلة إعداد التقرير» وإشارته إلى ثقة اللجنة «بأنها ستتمتع بالتعاون الكامل والفوري من كل الدول خلال المرحلة اللاحقة من إعداد التقرير»، له صلة مباشرة بالقاضي الألماني وبدولة ألمانيا حيث تبيّن أنه رفضت عدة طلبات من براميرتس للحصول على دعم في مجال التحقيق، وأنه تقدم مراراً بطلبات للتعاقد مع محققين متخصصين في مكافحة الإرهاب ويعملون في وكالات المخابرات الألمانية. وأنه بعث بأكثر من رسالة ولكن الجواب كان يأتيه سلبياً، ليتبيّن في وقت لاحق أن برلين تحتج على قرار براميرتس الأول فسخ عقود العمل مع كل أعضاء فريق التحقيق من الألمان الذين كانوا يعملون مع ميليس، وأن محققاً سويدياً وحيداً كان قد بقي ولما اضطر الى السفر الى بلاده للقيام بواجب اجتماعي تلقى وهو خارج لبنان رسالة تفيد بالاستغناء عن خدماته، وهو ما حصل مع آخرين. وثمة تضارب في تبرير هذه الخطوة بين من يقول إن آلية عمل براميرتس تتطلب نمطاً مختلفاً من البرامج ومن الاشخاص، وبين قائل بأن براميرتس أراد إبعاد ميليس نهائياً عن عمله وانه يعرف أن الأخير أبعد عن منصبه ولم يتركه من تلقاء نفسه، وأن السبب يعود الى أخطاء كثيرة ارتكبها في هذا المجال.
أما الجانب الآخر فيتعلق بطريقة تعامل براميرتس مع الجانب السوري من التحقيق، إذ إن ميليس كان يرى ضرورة الإقدام على خطوات صاعقة مثل التي قام بها هو في لبنان عندما أوصى التحقيق اللبناني بتوقيف قادة الأجهزة الأمنية وعدد آخر من الذين يعتقد أنهم على صلة بالملف. وهو كان قد أوصى بتكرار الأمر مع عدد من الضباط السوريين. ولكن براميرتس الذي رفض الأمر، عاد وأكد أن فكرة التوصية مخالفة لآلية العمل وأنه يرفضها ولكن لا يمكنه مقابلتها بتوصية مضادة كما طلب إليه فريق التحقيق اللبناني في معرض إنهاء العمل بمفعولها. أما الجانب الأدق من التحقيق فهو يتعلق بما أبلغه براميرتس الى اعلى الجهات في الأمم المتحدة بأنه بات على مسافة قريبة من معرفة كل آلية تنفيذ الجريمة، لجهة هوية الاشخاص الذين جهزوا المواد المتفجرة وأعدوا السيارة وهوية الانتحاري الذي وجدت قطع صغيرة جداً من أشلائه في مسرح الجريمة. وهو أمر يتعلق أيضاً بتنظيف ملف التحقيق من شوائب كثيرة بينها مسألة التوقيفات. وفي هذا السياق جاءت الفقرة 96 من التقرير الاخير التي تقول بأنه رُفع الى الفريق اللبناني «تقرير تحليلي عن مدى صدقية شاهد ما» لما له من تأثير على «أشخاص موقوفين لدى السلطات اللبنانية».
وبحسب المعلومات فإن هذا التقرير يتعلق بالشاهد السوري محمد زهير الصديق، وهو أمر أكده مرجع قضائي كبير وقال إن الملف يحوي على وثائق تدقق في كل ما أدلى به الشاهد على مراحل مع مقارنة بأقوال أخرى وبمعلومات تضرب صدقيته، وترك للقضاء اللبناني التعامل مع التقرير بما يدفعه الى اتخاذ قرار بمصير الموقوفين ولا سيما مصير اللواء جميل السيد الذي طلب مجدداً من القاضي الياس عيد استرداد مذكرة التوقيف الصادرة بحقه. ويبدو أن عيد بصدد إنجاز قراءة تقرير براميرتس الخاص بالصديق قبل أن يحيل الملف الى النائب العام سعيد ميرزا الذي يقول بدوره إن الأمر يتعلق بمقارنة معلومات وبدرس للملف من كل جوانبه قبل اتخاذ القرار الذي يعود الى القاضي عيد اولاً وأخيراً باعتباره يتمتع بسلطة قضائية مستقلة.
لكن الخطوة تبقى متصلة بالسلوك العام للقضاء اللبناني، الذي جاء تشكيل لجنة التحقيق كرسالة عدم ثقة به من قبل اهل الضحية ومن قبل الفريق السياسي الذي وفر الغطاء الخاص بعمل لجنة التحقيق الدولية. ثم إن كل المعطيات الموجودة لدى فريق الدفاع وما هو معروف من قبل المعنيين، لا تشير الى وجود ما يبرر استمرار التوقيف، الأمر الذي يجعل فريق التحقيق اللبناني أمام مسؤولية كبيرة، وهو الأمر الذي لا ينفيه الفريق المعني والذي يصر على القول إنه لا يخضع لأي نوع من الضغوط السياسية أو غير السياسية وانه يقوم بما يجب القيام به، وهو الأمر الذي يرتقب ان يخضع لأكثر الاختبارات دقة خلال الايام القليلة المقبلة.