فداء عيتاني
يسخر لبنانيون زاروا دمشق أخيراً من «الدعم الدولي الكبير الذي يبديه المجتمع الدولي ودول الغرب لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة»، ويسألون، بعدما دخنوا السيكار مع مسؤولين سوريين كبار: «ما الذي سيقدمه الغرب؟ هل يرسل جيوشه لحماية الحكومة اللبنانية من شعبها؟».
العاصمة السورية تتنفس الصعداء فيما العاصمة اللبنانية منقسمة بين من يقضي العيد على اسوار السرايا، ومن يقضيه داخل هذه الاسوار. وبين هذا وذاك، يبدو أنه لم يعد ثمة قوى تقف في الوسط. وعلى مستوى الشارع السني فإن قوة واحدة تحافظ على الوقوف في الوسط وتجمد اتصالاتها بالعاصمة السورية، هي «جمعية المشاريع» «المدانة» سلفاً بحسن العلاقة مع دمشق والمتهمة بأنها «صنيعة مخابراتها» في لبنان.
ترتاح دمشق لكثافة الزيارات، ويقول مسؤولون سوريون إن زواراً كثراً يأتون من دول لم تكن، حتى الماضي القريب، تفتح اية خطوط مع دمشق. ومن بين هؤلاء الزوار، سرّاً أو علناً، شخصيات رسمية من مستوى رئيس حكومة سابق او حالي وصعوداً، وفي سياق هذه الزيارات ستكون زيارة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني. ويبدي المسؤولون السوريون، أمام زوارهم اللبنانيين، ثقة بأن ما بعد رأس السنة سيكون المشهد السياسي الدولي في سوريا مختلفاً عما كان يتخيله، أو يتمناه، بعضهم من حصار عالمي ينتهي بسقوط نظام بشار الاسد.
الارتياح السوري ايضاً ناجم عن ان المعارضة اللبنانية تقف على قدميها بنفسها. تشاهد سوريا كيف تؤجل المعارضة الضربة القاضية للحكومة. كان يفترض أن يتم اسقاط السنيورة وحكومته قبل الاعياد، الا أن المعارضة، واستجابة لمطالب عربية (وسوريا جزء مكون من هذه المطالب) اعطت وقتاً (هو ضائع بالنسبة للمعارضة ومستقطع بالنسبة للاكثرية) لترى ما يمكن تسويته، مع علمها سلفاً بأن المبادرات سواء أكانت عربية ام محلية ستفشلها الاكثرية.
ثمة من يشبّه وضع الاكثرية اليوم بوضع النظام اللبناني (الامني السوري ــ اللبناني) في مرحلة السابع من آب عام 2002، عندما صار النظام يستخدم القمع والعنف والاعتقالات ليدافع عن نفسه ضد معارضيه، كما تحاول الحكومة اليوم تغطية نفسها باعتقال السوريين القوميين الاجتماعيين، وهو ما يزيد من راحة من يدخنون السيكار في العاصمة السورية، ومن هدوء من يحكم لعبة المعارضة في لبنان، التي قررت على ما يبدو ألاّ ينقضي شهر شباط المقبل بوجود هذه الحكومة.
وبين المعارضة اليوم من حسم خياراته تجاه الاطراف التي كان يجاملها ويسعى الى استرضائها بكل الاثمان، المعارضة لم تعد تخشى الفتنة، وهي بعد نجاحها في منع ردات الفعل على اطلاق النار على المتظاهرين العائدين ومقتل احمد محمود، صارت تعتبر أن تكتيك الرد على اية فتنة هو ترك الآخر يتورط في الدم وعدم الانجرار الى ردود الفعل، اما الاطراف الاخرى التي تصر على أنها تقف على الحياد ومنها «الجماعة الاسلامية»، فإن عضواً في المكتب السياسي في حزب الله يسأل من يطالبه بالاتصال بالجماعة وعقد لقاء معها «لماذا؟ وبعد أن نجلس؟ ما الذي سيقومون به؟».
مروحة المعارضة تعتبر أن «الجماعة» حسمت خياراتها، وتصر مصادر خاصة على القول ان الجماعة تنتظر حصولها على وزير في حكومة الاكثرية إذا تم التعديل او التغيير، الا أن المصادر تؤكد أن هذا الرهان خاسر خصوصاً أن الاكثرية قد لا تتمكن من تمثيل الخلص من اطرافها في الحكومة المقبلة.
لا يبقى بين الاطراف من لم يحسم خياراته، جمعية المشاريع تتجنب التصريح السياسي، وهي اكتفت ببيان وحيد خلال الازمة للمطالبة بتجنب الفتنة، إلا انها تعلم، كما تنقل عنها مصادر في المعارضة، أنها ان هي اندفعت الى الشارع فإنها ستواجه عواصف داخل اوساط السنة، وهي وإن كانت لم تعدّل أياً من مواقفها فهي تحافظ على مساجدها وسط حملة تطهير المساجد من خطباء المعارضة. وبانتظار ما بعد الأعياد فإن كل طرف من اطراف السنة سيلتقي اخوانه إما في الحج وإما في احد المؤتمرات التي تعقد في قطر.