جبيل ـــ جوانا عازار
حكاية الميتم حيث يلتجئ 55 طفلاً أرمنياً

على شاطئ مدينة جبيل، يقع «عشّ العصافير» أو ميتم الأرمن الذي يحوي أيضاً مدرسة لصفوف الروضة والصفوف الابتدائيّة. وهو شاهد على إرادة الشعب الأرمني الصلبة وصمودهم رغم ما تعرّضوا له من قتل وظلم وتشريد...
يضمّ الميتم اليوم ما بين 50 و55 طفلاً من اليتامى أو المعدومين. هؤلاء هم العصافير الصغيرة الملتجئة الى هذا العشّ الدافئ.
ويشير مدير عام الميتم الأرشمندريت بارين فارطانيان الى أنّ الميتم يعتمد على المساعدات الماليّة المقدّمة من الخيّرين الأرمن، مضيفاً إنّ أصدقاء الأرمن كثيرون وهم يمدّون يد العون لبلسمة جراح «العصافير الصغيرة».
أمّا المساعدات المقدّمة من الدولة اللبنانيّة فهي محدودة، ويقول فارطانيان إنّ الدولة متمثّلة بوزارة الشؤون الاجتماعيّة مستعدّة للمساعدة، الا أنّ القانون اللّبناني يحدّد في مواده مساعدة الأطفال اللبنانيين فقط دون غيرهم. ويتلقّى الميتم مساعدات عن الأطفال ذوي الأمهات اللبنانيّات.
مدرسة الميتم فيها صفوف للروضة، وتضمّ بين 12 و 15 ولداً، يتولّى تدريسهم ثلاثة مدرّسين. أمّا بقيّة الأطفال فهم في الصفوف الابتدائيّة. وتطبّق مدرسة الميتم المناهج الرسميّة اللبنانيّة وتهتمّ بتنمية الأطفال ثقافياً وفنياً وتربوياً.
«ناريك»، أحد أطفال الميتم، يختصر الوضع في «عشّ العصافير» قائلاً: «مبسوط هون وبحبّ كلّ رفقاتي».
يشرح الأرشمندريت فارطانيان كيف نشأ الميتم في مدينة جبيل. فبعد المصائب الأليمة التي حلّت بالأمّة الأرمنيّة أثناء الحرب العالميّة الأولى والإبادة الجماعيّة في القرن العشرين على أيدي السلطات التركيّة، لقي مليون ونصف مليون أرمني حتفهم، أمّا الباقون من سكّان المقاطعات الأرمنيّة فسيقوا الى الصحارى، وتوجّه الناجون منهم الى لبنان وسوريا وسائر بلدان الشرق الأوسط ومن ثمّ الى بلدان العالم. وكانت الحاجة ملحّة لأن يجتمع اليتامى في مقرّ آمن. وفي عام 1926، قرّرت المنظّمة الإنسانية للشرق الأدنى (Near East Relief) التي كانت تدير ميتماً في جبيل الابتعاد من الشرق الأوسط. فعلمت بهذا النبأ آنسة دانمركيّة تدعى ماريا جاكوبسون وتمكّنت من شراء الميتم بمساعدة من منظّمة KMA الدانماركيّة.
كانت الآنسة جاكوبسون ناشطة في مجال الاهتمام بالمرضى والأيتام. وعُرفت بأعمالها الخيريّة والإنسانيّة في مقاطعة خاربيرت في كيليكيا الأرمنيّة منذ عام 1870. فقد أخذت على عاتقها منذ اندلاع الحرب الاهتمام بالأطفال المشرّدين، فآوتهم في أماكن سريّة وأمّنت لهم الغذاء والعناية الطبيّة. ثمّ انتقلت معهم الى لبنان وتمركزوا في مدينة جبيل وكانت هي من أطلق اسم «عشّ العصافير» على الميتم، وعاشت مع الأطفال واهتمّت بهم حتّى وفاتها.
وكانت جاكوبسون قد سلّمت الميتم إلى كاثوليكوسية الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا عام 1970 فأصبح الميتم الذي يستقبل الأطفال من جميع الطوائف الأرمنيّة تحت رعاية كاثوليكوسيّة الأرمن الأرثوذكس ورعاية الكاثوليكوس المباشرة من خلال ممثّله المدير العام للميتم وللمدرسة.