طارق ترشيشي
أن يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري إن هناك مبادرة جديدة، في معرض رده على سؤال وُجِّه اليه أمس عما بعد مبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى، فذلك يدل على أن هذه المبادرة مستمرة رغم اختلاف القراءات والتحليلات للخلاصة التي توصلت إليها حتى الآن في ختام المحادثات المكوكية التي أجراها الموفد العربي مع فريقي السلطة والمعارضة.
إحدى القراءات تقول إن المعركة الدائرة بين الفريقين، هي معركة رئاسة الجمهورية لا الحكومة، وإن التوصل إلى اتفاق على رئيس جمهورية جديد يخلف الرئيس إميل لحود بعد انتهاء ولايته هو السبيل الوحيد الذي يحل مشكلة الحكومة، ويحدد الإطار المطلوب للمحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لذا فإن لكل فريق أوراقه ولن يصرفها قبل الوصول إلى هذا الاتفاق وإن الاصطفاف السياسي القائم إنما يحصل في ظل مناخ تسووي عام لأنه لا أحد يريد للأوضاع أن تنفجر.
ويرى أصحاب هذه القراءة أن الأكثرية الحاكمة تعيش قلقاً حقيقياً من النتائج الأمنية لأي تفجير، وفي المقابل فإن المعارضة تعيش قلقاً من النتائج السياسية التي ستترتب عليه أيضاً. لذا فإن لبنان في مناخ عام تسووي قد يكون مديداً لأشهر تُحَضَّر خلاله سلة كاملة للحلول، في الوقت الذي سيعمل أطراف التسوية كل على طريقته لتحصين ما يملك من أوراق لتكبير حصته في هذه التسوية التي لا يمكن أن تتم بمعزل عن التفاهمات العربية ــ العربية، كما لا يمكن أن تكون بعيدة عن نمط العلاقات الاميركية في المنطقة، وتحديداً العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وكل من دمشق وطهران. ويرى هؤلاء أيضاً أن موضوع «الثلث المعطل» لم يعد اصطلاحاً أو مطلباً محلياً تعبّر عنه المعارضة، بل صار عالمياً. إذ في مقابل الأرجحية الأميركية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بات هناك «ثلث معطل» للقرار الدولي تعبر عنه روسيا والصين ودول أخرى.
لكن فريقاً سياسياً آخر يعتقد أن موسى في ما أعلنه لم يغلق باب الحلول المنشودة، بل أنجز ما كان مطلوباً منه بحيث رسم «خريطة الطريق» للوصول إلى هذه الحلول التي ستكرّس على مستوى الملوك والرؤساء العرب، لذا فإنه «كان قاسياً» في تنبيه وتحذير الفريقين المتنازعين من مخاطر أي تصعيد جديد يمكن أن يقدما عليه في الوقت الذي سيعمل فيه على تأمين لقاء سعودي ــ إيراني تعقبه قمة مصرية ــ سورية ــ سعودية تعقد في شرم الشيخ أو الرياض (وهي قمة مطلوبة أيضاً لضمان نجاح القمة العربية العادية في آذار المقبل). ويضيف هذا الفريق ان الوضع باق «تحت السيطرة» على رغم محاولات فريق الأكثرية المستمرة للالتفاف على المبادرة العربية تماماً كما فعل مع المبادرة السعودية في الاشهر السابقة وقبلها بخروجه على التحالف الرباعي.
وقيل إن موسى انزعج من «خطوات سياسية وأمنية» أربكت مبادرته وتمثلت بإقدام الاكثرية أثناء غيابه وخلال وجوده في بيروت وخلافاً لتعهدها له، على نشر مشروع المحكمة في «الجريدة الرسمية»، وهي تعرف أن الأمر غير دستوري. ثم نشرت العريضة النيابية الخاصة بهذا المشروع بعدما رفضت الدوائر المختصة في مجلس النواب تسلّمها. ثم إقدامها على دهم منازل ومقار للحزب السوري القومي الاجتماعي في الكورة وبيروت.
وأكثر من ذلك يقول ركن معارض «إن فريق السلطة أعلن الحرب الأهلية ثلاث مرات حتى الآن، لكن فريق المعارضة لم ينزلق إليها فالمرة الاولى كانت بيان البريستول الشهير، والثانية كانت التحرش بالمعتصمين العائدين من وسط بيروت وقتل الشاب علي محمود، والثالثة كانت تظاهرة عرسال وما رافقها من أعمال شغب سقط فيها المواطن مهدي أمهز قتيلاً». وفي رأيه أن الاكثرية تراهن على «المبادرات الاميركية» لا على المبادرة العربية.
وفي مقابل ذلك كان الرئيس بري يبدي انزعاجه وامتعاضه من مواقف قاسية في حق الأكثرية صدرت عن الوزيرين السابقين سليمان فرنجية ووئام وهاب ويلومهما عليها. وفي الوقت نفسه كان الموفد السوداني مصطفى عثمان إسماعيل يجتمع بالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ويسمع منه موقفاً يؤكد فيه أن المعارضة لن تصعّد تحركها في خلال عطلة الأعياد وأنها تؤيد المبادرة العربية ومنفتحة على البحث مع الاكثرية في السبل التي تكفل التوصل الى الحل المطلوب للأزمة. وهذا ما حدا بإسماعيل الى القول في المؤتمر الصحافي الذي عقده وموسى في ختام زيارتهما لبيروت إن «العقدة ليست في موقف المعارضة».
هل تنتظر المبادرة العربية قمة ثلاثية مصرية ــ سورية ــ سعودية تعيد موسى الى بيروت ليبدأ الإشراف على الترجمة العملية للحل العربي المرتجى للأزمة المستعصية؟
الجواب عن السؤال قد يتبلور من المواقف والتطورات المنتظرة عربياً ودولياً مع مطلع السنة الجديدة.