عمر نشابة
تعرض المؤسسة اللبنانية للإرسال (ال بي سي) فيلماً قصيراً على شاشتها، يتناول نظام العدالة. يظهر الفيلم شاهداً يدلي بإفادته أمام المحكمة. ويسأله محام ما إذا كان قد شاهد بأمّ عينه المتّهم «يكدش» أذُن الضحية، فيردّ الشاهد بأنه لم يشاهد فعل «الكدش»، بل شاهد المتّهم «يبصق» قطعة من الأذُن من فمه.
وإذا بالمدّعي يصرخ «شاهد زور» ويتبعه القاضي بقوله «محكوم إعدام!»... وينتهي الفيلم بجملة تظهر على شاشة سوداء «عرفنا ليش ما بدكن يانا نعرف» بتوقيع «مواطن لبناني بيعرف».
عندما شاهدت الفيلم لأول مرّة، تذكّرتُ الملاكم الأميركي الشهير مايك تايسون الذي «كدش» أذن منافسه هوليفيلد خلال إحدى المباريات، ما أدّى إلى طرده من الحلَبة ... لكن سرعان ما استدركت أنه يتعلّق بالتحقيقات الجارية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والجرائم الـ14 (التي استهدفت إحداها الزميلة مي شدياق) واعتقدتُ أن المقصود هو: أوّلاً، لا مجال للشكّ بإفادات الشهود لأنهم حتى ولو لم يشاهدوا وقوع الجريمة، شهادتهم تثبت أن الجهة التي حدّدوها قامت بارتكابها، وثانياً، الشهود يحاكمون بدل محاكمة المجرمين الحقيقيين، وثالثاً، هناك جهود تُبذل لمنع المواطنين من معرفة «الحقيقة».
لكن بعد دردشة هاتفية مع مدير عام الـ«ال بي سي» بيار الضاهر، علمتُ أن المقصود بالفيلم غير ذلك... إذ قال الضاهر إن المقصود هو توجيه انتقادات لعمل القضاء اللبناني ليس فقط خلال الفترة الزمنية الأخيرة، التي شهدت العديد من الجرائم والقليل من التقدّم على صعيد التحقيقات، لكن خلال الثلاثين عاماً الماضية. وانتقد الضاهر ما سمّاه «التركيبة اللبنانية»، وقال إنها تسمح بتدخل السياسة في عمل القضاء ولا تسمح بمعرفة الحقيقة والتوصل الى العدالة التي يتطلّع إليها المواطنون. وذكر أن شخصاً محكوماً بالإعدام موجود حالياً في سجن رومية المركزي، رغم القبض على الجناة الحقيقيين في بلد مجاور وتنفيذ عقوبة الإعدام بحقّهم، ما يشير إلى غياب العدالة في لبنان.
وعندما سألته عمّن نكون «نحن» في جملة «عرفنا ليش ما بدكن يانا نعرف» ومن «هم»؟ قال «نحن، أنا وأنت وكلّ مواطن يسعى الى العدالة، أمّا هم، فأترك للمشاهد أن يحدّدهم»...
أمّا عمّا يعرفه المواطن، فقال الضاهر «المواطن يعرف ...أنه لن يعرف».