الكورة ـــ نقولا طعمة
معاصر الزيتون تلقيه في المجاري فتتحوّل حياة السكّان إلى جحيم

الكورة وطرابلس في همّ واحد في موسم قطاف الزيتون وعصره. فمع بلوغ الموسم أواسطه، يتفاقم تعكّر المياه الطرابلسيّة ببقايا الزيبار، ويتفاقم في الكورة انتشار الروائح المنبعثة من مجاري مياه الأمطار التي تحوّلت في السنوات العشر المنصرمة إلى مصارف للمياه المنزلية المبتذلة. يجتاز العابر في الكورة الطريق العام من بطرّام إلى بشمزين وأميون، وهو يجهد في منعتسرّب الروائح إلى حواسه. تلك الروائح المنبعثة من خليط المياه المبتذلة والزيبار الذي تتخلّص المعاصر منه بإلقائه في المجاري، فتعبق الأجواء فيها لمسافات بعيدة في دائرة شعاعها خمسة كيلومترات على الأقل، لتحوّل حياة سكان البلدات الكورانيّة الواقعة في هذا النطاق إلى جحيم لا يطاق.
وكان التخلّص من الزيبار في الكورة ينعكس على مياه طرابلس في الفترة الزمنيّة التي امتدّت من الأربعينيّات حتى التسعينيّات. فالمدينة تشرب من مياه هاب العابرة لباطن الأرض في منطقة الكورة. تتسرّب المياه السطحيّة عبر ثقوب متعدّدة إلى باطن الأرض محمّلة بالإضافات المرميّة في مجاري المياه، فتختلط الفضلات بمياه هاب، وتلوّثها.
تتطوّر الحياة، وتتقدّم عناصر الحداثة، وقد بتر التطبيق المشوّه المتسارع للتنظيم، ولمشاريع البنى التحتية، نموّها وتطوّرها الطبيعيين، فراحت تشرئبّ من بين البساتين طبقات الأبنية العالية كالورم، مفلتة من أي ضوابط. لم تنشأ شبكة للصرف الصحي، ولا لتصريف مياه الأمطار. طوّرت محطة التكرير في البحصاص لكنّ التجهيز بما يصفي الزيبار غير متوافر كتقنية خاصة. ظلّت المشكلة دون حلّ إلى أن أصيب العديد من السكان بأمراض الجهاز الهضمي الناجم عن اختلاط المياه بمياه الصرف الصحي بكلّ العناصر التي يحملها، ومنها الزيبار. اضطرت السلطات المحليّة في محافظة الشمال، بالتعاون مع بلديات الكورة إلى اعتماد إجراء مؤقت ريثما أنشئت شبكة للصرف الصحي التي تزيل مشكلتي المياه المبتذلة والزيبار، فكلّفت المحافظة عدداً من الصهاريج بالتوجّه الدوري إلى معاصر الزيتون وتحويل المشكلة من المناطق المأهولة إلى البحر.
غابت الخطة في الموسم المنصرم والموسم الحالي بسبب اضطراب الأوضاع العامة في البلاد، وغابت الصهاريج، وعاد الزيبار ليختلط بسيول الصرف الصحي رافعاً نسبة التلوّث إلى أعلى المستويات، باعثاً الروائح في أجواء الكورة والتعكّر في مياه الشفة في طرابلس.
مدير محطة التكرير في البحصاص كمال مولود لا ينفي وجود الزيبار في المياه، ويقول إنه «يُفترض عزل الزيبار ومنع وصوله إلى المياه عبر شبكات أو أي طريقة أخرى، لأنه لا تتوافر تقنية خاصة لتصفية المياه من الزيبار. ورغم ذلك، فالتطوّر الذي شهدته المحطة في السنوات الأخيرة مكّننا من خفض كمية الزيبار في المياه إلى نسبة واحد بالمليون من عناصر الـphenol المضرّة بالصحة، ويمكن القول اليوم لا مشكلة في المياه رغم وجود هذه النسبة التي تبدأ بالإضرار بصحة الإنسان بعد عامين من تناولها باستمرار. لكن تعكّر المياه يثير الاشمئزاز في النفس، ونحن لا قدرة لدينا على معالجته».
المشكلة تتكرّر منذ نصف قرن. ويتكرّر بين الحين والحين حديث عن إنشاء شبكة تنهي المشكلة، لكنّ أي مبادرة جديّة لم تظهر، وربما استغرق الحلّ نصف قرن آخر.