أنطوان سعد
على رغم أن مقص المشترع في وثيقة الوفاق الوطني قلّم أظافر رئيس الجمهورية إلى حد كبير وجعل منه حكماً أكثر منه حاكماً، لا تزال رئاسة الجمهورية تشكل موقعاً مهماً تحاك الاستراتيجيات من أجل الظفر به. ويمكن الاعتبار أن معركة الرئاسة الأولى المقبلة هي من أبرز أهداف عملية عض الأصابع القائمة اليوم بين السلطة والمعارضة إضافة إلى تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي الذي يشكّل حصان الحرب للأولى، وتحقيق المشاركة لجميع الطوائف، حصان حرب الثانية. والفوز بهذه المعركة يعني لكل طرف الفوز بكل شيء تقريباً: السلطة إذا كسبتها تكسب الإمساك شبه التام بالسلطة التنفيذية وبما يعنيه ذلك على مستوى حسم المسائل الخلافية وفي طليعتها المحكمة الدولية، فيما ترسخ المعارضة، في حال فوزها أو إشراكها جدياً في عملية الانتخاب، قدرتها على عرقلة كل ما يحد من نفوذها الذي يتخطى في الواقع الميداني والسياسي حصتها النيابية.
ويقول بعض أقطاب السلطة، ممن يتمسكون بروحية الطائف، إن مطلب المعارضة بالثلث المعطل «محق بالتأكيد»، ولكن في ظل المعطيات الحالية لا يمكن القبول به لأنه سيعطيها قدرة تعطيل مجلس الوزراء إضافة إلى إمساكها برئاسة الجمهورية وبرئاسة المجلس النيابي. لذلك فإن تعاطي كل من السلطة والمعارضة مع رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، على مستوى مقاطعته أو رفض إسقاطه، ينطلق من حسابات كل طرف باحتلال هذا الموقع لمقاتلة الطرف الآخر وليس إعادة الحق إلى نصابه أو إعادة البريق لموقع الرئاسة الأولى. وما يعزز هذا الانطباع المفارقات الغريبة التالية:
- المفارقة الأولى: يعلن رئيس الجمهورية استعداده للتنحي فقط إذا جرى التوافق على أن يكون خلفه العماد ميشال عون الذي يحجم من جهته عن زيارة رئيس الجمهورية علنياً في قصر بعبدا ولا ينبس بكلمة دفاعاً عنه إلا في ما خلا تشبيه التمديد غير الشرعي بالانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت على قياس قانون غازي كنعان، على حد تعبير عون.
- المفارقة الثانية: يغيب رئيس الجمهورية عن قداس الميلاد في سابقة لافتة، ويعلن استياءه من الرسالة الشفوية التي وجهها إليه البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير لأنها تنطوي على دعوة ضمنية بالاستقالة مغلفة بأفضل عبارات الود والحفظ للكرامة الشخصية وتحفظ في الوقت نفسه للرئيس لحود إمكانية التحول إلى مصدر إيجاد الحل المشرف للجميع. في المقابل، لم يأخذ رئيس الجمهورية موقفاً سلبياً من حزب الله وحركة أمل اللذين ردا رسالته إلى مجلس النواب المحقة الداعية إلى اعتماد قانون يحفظ صحة التمثيل. وقد أُرفق الرد بموقف قاس من جانب أحد نواب حزب الله الذي رفض أن يتعاطى الرئيس لحود مع النواب كما يتعامل مع ضباطه. كذلك لم يعترض رئيس الجمهورية علناً مرة واحدة على خوض المعارضة مراراً في مسألة الانتخابات الرئاسية المبكرة وفي دخولها في موضوع أسماء المرشحين ومواصفاتهم.
- المفارقة الثالثة: تقاطع الأسرة الدولية رئيس الجمهورية بعدما اجتمعت به رموزها وفي مقدمها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والأمين العام للأمم المتحدة كوفي بعد عملية التمديد.
- المفارقة الرابعة: تقاطع الأسرة الدولية رئيس الجمهورية بتهمة دعم حزب الله ثم يجتمع الأمين العام للأمم المتحدة بالوزير محمد فنيش إبان العدوان الأخير على لبنان.
- المفارقة الخامسة: يقبل الوزير فنيش بالاجتماع بكوفي أنان على رغم موقف هذا الأخير من رئيس الجمهورية.
- المفارقة السادسة: يقاطع أقطاب السلطة رئيس الجمهورية ويقذفونه بأقذع التهم وأبرزها بأنه «وديعة سورية» فيما يتسابقون على خطب ود رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى توجيه عبارات التبجيل إليه على رغم كونه يفخر بأنه حليف سوريا الأول في لبنان الذي لم يخالف مشيئة السوريين مرة واحدة منذ دخوله المعترك السياسي اللبناني. فحتى حزب الله كانت له خلافاته الحادة مع دمشق والتي وصلت إلى حد الصدام العسكري الدموي خصوصاً في الفترة التي دعمت فيها سوريا حركة أمل ضد حزب الله.
- المفارقة السابعة: يقاطع أقطاب قوى الرابع عشر من آذار رئيس الجمهورية بتهمة دعم حزب الله وتأمين التغطية الرسمية له فيما لم يتوقفوا عن محاولة الاتصال بالأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. وفي هذا الإطار، تكشف المصادر أن الرئيس أمين الجميل ليس «الأكثري» الوحيد الذي يجتمع سراً بنصر الله.
صحيح أن لبنان بلد غريب عجيب!