strong>عاش اللبنانيون أيام العام 2006 على وقع الأحداثالمؤلمة والمتسارعة، فحالما ينامون على همّ جريمة يستيقظون على وقع أخرى، أما القضاء الذي لم يلتقط أنفاسه بين الحادثة والأخرى فقد غرق في تحقيقات لم تترك طريقاً إلّا وسلكته لكنّه لم يمسك بالخيط الذي يقود الى كشف المجرمين


  • الاغتيـالات السـياسـية هـذا العــام بـدأت بالأخـوين مجـذوب وانتهـت بالوزيـر الجميـل

    بضع ساعات وتنقضي سنة كانت حبلى بالآلام والمآسي على لبنان واللبنانيين، وتحل سنة جديدة لا أحد يعرف ما تحمله باستثناء ما يبشر به المنجمون ويتوعد به أهل السياسة، إلا أن المسلّم به والمعروف يقيناً أن المواطن هو الذي يدفع هذه الفاتورة الثمينة خوفاً وقلقاً وجوعاً وربما دماً على طريق الجلجلة الطويل.
    هذه الأمور لا تسري على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية فحسب، بل تنسحب على الواقع القضائي الذي عانى ما عاناه طوال السنة الآيلة الى الأفول بعد قليل، وأمام هذا الوضع القضائي «المكربج» أو المجمد يبقى المواطن هو الضحية بسبب التأخر في إحقاق حقه ورفع الظلم عنه.
    واذا كانت السنة الموشكة على الرحيل من دون أن نأسف عليها لشدة هول ما حملته الى اللبنانيين، فإنها لن تذهب مصطحبة معها مآسيها، بل ستلقي أعباء وتبعات ما تركت على عاتق العام الجديد الذي يبدو حتى الساعة ملبداً وحالكاً، ولا تبشر طلائعه بأفق للحلول. واذا كان لا بد من مراجعة وجردة حساب للسنة الراحلة على الصعيد القضائي فيمكن القول بكلمة واحدة إنها ولّدت الكثير من الحوادث والأزمات وقللت من قدرة المعالجات الى حد التلاشي.
    كثيرون عوّلوا على سنة الـ2006 علّها تكون سنة الحلول للقضايا الكبرى، أي أن تحمل تباشير الكشف عن قتلة الرئيس رفيق الحريري ومن قضوا معه، وجريمة اغتيال الصحافي سمير قصير والمناضل جورج حاوي والنائب جبران تويني، ومحاولات الاغتيال التي استهدفت الوزيرين مروان حمادة والياس المر والإعلامية مي شدياق وما بين هذه الجرائم مسلسل التفجيرات الذي تنقّل في المناطق المسيحية، الا أن الغامض ازداد غموضاً والمعقّد تفاقم تعقيده. اذ لم تسجل التحقيقات القضائية بمعاونة الضابطة العدلية بمساعدة خبراء من (FBI) و(CIA) وأمثالهم من فرنسا وبريطانيا وسويسرا وبلجيكا أي تقدم يذكر، والمفارقة أن المسلسل الاجرامي لم يتوقف عند هذه الجرائم.
    فربيع العام الآفل حمل جريمة مزدوجة ومروعة ذهب الأخَوان مجذوب ضحيتها في مدينة صيدا، وسرعان ما اتضح ان الجريمة دُبّرت من جانب الموساد الاسرائيلي ونُفذت على أيدي عملائه في لبنان ومنهم محمود رافع الذي أوقف بعد أُسبوعين من وقوع الجريمة واعترف بارتكاب جرائم مماثلة منها اغتيال جهاد احمد جبريل في بيروت، ومسؤولَي «حزب الله» غالب عوالي وحسين صالح في الضاحية الجنوبية، بمساعدة شريكه الفلسطيني حسين خطاب الذي استطاع الفرار ولم يعثر عليه حتى الان، فيما لم يكشف القضاء العسكري نتيجة تحقيقاته مع رافع.
    بعد أيام على هذه الجريمة أحبطت مخابرات الجيش اللبناني محاولة كانت تستهدف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حيث أُلقي القبض على مجموعة من الأشخاص كانوا مكلفين مراقبة الضاحية الجنوبية والمربع الامني وتحركات السيد نصر الله لدى مشاركته في جلسات الحوار الوطني التي كانت تعقد في مجلس النواب، وقد أودع الموقوفون القضاء العسكري الذي أصدر قراراً اتهامياً وطلب لهم عقوبة تصل الى حدّ الإعدام وأحالهم على المحكمة العسكرية لمحاكمتهم.
    وقبل ذلك بأيام سُربت معلومات عن توقيف مجموعة قيل إنها ننتمي الى تنظيم القاعدة وكان أفرادها ممن شاركوا في محاربة الأميركيين في العراق، وتسللوا الى لبنان لتنفيذ عمليات ارهابية، وتردد أن بعضاً منهم اعترفوا بعلاقتهم باغتيال الرئيس رفيق الحريري بتخطيط ودعم من المسؤول عنهم خالد طه (سوري) الذي قيل انه استدرج احمد ابو العدس. وعلم أن الموقوفين عادوا وتراجعوا عن هذا الاعتراف أثناء التحقيق الأوّلي معهم أمام فرع المعلومات. وقد أودعوا القضاء العسكري ولم يعرف مصيرهم بعد.
    ومن مآثر مآسي سنة 2006 أحداث 5 شباط التي اندلعت في الاشرفية من خلال تظاهرات إسلامية امام السفارة الدانماركية منددة بالصور الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي محمد، والتي حوّلت قسماً من منطقة الإشرفية الى ساحة حرب، عندما أقدم مئات من المعتصمين على الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والآليات العسكرية وعناصر الامن الداخلي والجيش اللبناني، وإحراق عدد من المباني والتعدي على بعض دور العبادة (كنائس) وقد أسفرت تلك الأحداث عن توقيف ما لا يقل عن 200 شخص أحيلوا على المحكمة العسكرية، وتوج ذلك اليوم بتقديم وزير الداخلية حسن السبع استقالته التي عاد عنها بعد تسعة اشهر في 25 تشرين الثاني الماضي.
    قبل أن ينعم القضاء اللبناني باستراحة الصيف المعروفة بـ«العطلة القضائية» التي تبدأ في 12 تموز، شنت اسرائيل حربها المدمرة على لبنان بدءاً بالتاريخ ذاته، وكان للقضاء نصيبه الوافي من هذه الحرب حيث دمرت قصور العدل في النبطية وبعلبك وبنت جبيل ومحاكم في تبنين ومرجعيون وصور وغيرها، ما أدى الى منع القضاة من الانتقال الى مراكز أعمالهم في قصور العدل الأخرى مثل زحلة وطرابلس وصيدا بسبب قطع الطرقات وتدمير الجسور وزرع الرعب والموت في كل طريق وممر.. الامر الذي أدى الى تعطيل القضاء والتأخر في بت الدعاوى العالقة.
    ما ان انتهت الحرب الاسرائيلية حتّى راح القضاة ينتظرون إعادة بناء صروح العدالة من قصور عدل ومحاكم مدمرة ولملمة اوراق ملفاتهم المبعثرة والتالف منها، الا أن معركة أخرى دارت وكان القضاة وقودها وهي التشكيلات القضائية التي عمِل مجلس القضاء الاعلى على إعدادها على مدار شهرين تخللتهما تجاذبات سياسية واخذ ورد، وما ان خرجت من اروقة مجلس القضاء وكان القضاة يتهيأون للانتقال الى مراكزهم الجديدة ومنهم الفرِح والمستاء والمتجهم توقف كل شيء بعد ان اعترض رئيس الجمهورية اميل لحود على توقيع المرسوم، باعتبار ان هذه التشكيلات جاءت معلبة ومجحفة بحق قضاة كثر ولم تراع التوازنات الطائفية في اختيار المراكز، وعلى هذا الاساس فإن العمل القضائي شبه مشلول او «مكربج» فضلاً عن وجود الكثير من المراكز الحساسة والمهمة الشاغرة.
    لم تنته السنة الآفلة بهذا القدر من المآسي. فقد طالت احداثها المؤسسات العسكرية والأمنية اذ ألقى مجهولون عبوة ناسفة على جدار ثكنة الأمير فخر الدين التابعة للجيش اللبناني في منطقة الرملة البيضاء أدت الى اصابة جندي بجروح وألحقت أضراراً مادية بالثكنة والسيارات والأبنية القريبة منها، كما طاولت الاعتداءات عبر قذائف الإنيرغا التي استهدفت ثكنة الحلو التابعة لقوى الأمن مرتين وكذلك ثكنة بربر الخازن في فردان وسيارة أحد ضباط قوى الأمن فضلاً عن قذيفتين مماثلتين واحدة أصابت بولفار الرملة البيضاء وأخرى أصابت مبنى العسيلي في وسط بيروت التجاري. أما الحادث الأكثر وقعاً وايلاماً فكان في 21 تشرين الثاني عشية عيد الاستقلال حيث امتدت يد الإجرام مجدداً لتغتال وزير الصناعة النائب بيار الجميل بإطلاق النار عليه من مسلحين في منطقة الجديدة في وضح النهار ثمّ لاذوا بالفرار رغم كل العوائق التي تحول دون فرارهم من تلك المنطقة المكتظة بالسكان والمحلات التجارية والمزدحمة بالسيارات ومن دون ان يتمكن التحقيق حتى الآن من الإمساك بخيط في هذه الجريمة.
    وعلى صعيد الجرائم ذات الصبغة السياسية لا بد من الإشارة الى حوادث عدة أبرزها مقتل طفلين على يد عناصر من القوى الأمنية أثناء إزالة بعض مخالفات البناء في منطقة الرمل العالي، ومقتل الشاب احمد المحمود في منطقة قصقص لدى عودته مع مجموعة من المتظاهرين في وسط بيروت وقتل الفتى أحمد أمهز في بلدة مقراق في البقاع في كمين مسلح نصب له اثر اشكالات وقعت على خلفية اعتصام شهدته بلدة عرسال تأييداً لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
    إضافة الى مئات الجرائم الشخصية والفردية وجرائم الثأر التي يشهدها لبنان وتسجلها التقارير الامنية بشكل دوري.
    اما في محصلة العمل القضائي على مدار السنة القضائية المنصرمة فإن تقريراً أعدته هيئة التفتيش القضائي يبيّن أن 13،080 دعوى وردت الى النيابات العامة والمحاكم في كل لبنان، وقد فصل القضاء في المقابل في 134،027 دعوى أي بنسبة 102 في المئة، وهذا يعني أن الدعاوى المفصول فيها أكثر من الواردة، وأن القضاء باشر بالبت بدعاوى متراكمة كانت تحتاج الى الأحكام.
    أخيراً وليس آخراً فإن الأحداث القضائية في هذه السنة ختمت بتوقيف الزملاء في محطة «نيو.تي.في» فراس حاطوم وعبد خياط ومحمد بربر على خلفية دخولهم شقة «الشاهد» السوري محمد زهير الصديق لتسجيل فيلم وثائقي عن حياة الصديق واتهامهم بجرم السرقة الموصوفة والعبث بأدلة ومحتويات في الشقة ذات أهمية بالنسبة إلى التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري.
    (الأخبار)