جوزف سماحة
الاتهامات الموجّهة إلى «حزب الله» بالمشاركة في الاغتيالات التي شهدها لبنان تضعنا أمام واحد من هذه الاحتمالات:
أولاً ـــ إنها جزء من التراشق السياسي. قرّرت فئة ما الرد على ما تتعرّض له بالرد، واختارت هذا العنوان. خفّة لا توصف من فرط خطورتها.
ثانياً ـــ إنها اتهامات مبنيّة على معطيات كانت مكتومة حتى الآن، وتقرّر البوح بها. هذا ضرر بالغ يلحق بالتحقيق الدولي ويفترض أن يحاسب أصحابه. كما يفترض بالموالين لهم مساءلتهم عن مدى التزوير الذي ألحقوه بالحياة العامة.
ثالثاً ـــ إنها اتهامات دقيقة، ولجنة التحقيق على علم بها وكانت تنتظر الفرصة للكشف عن ذلك بما يجعل مهمتها ذات بعد داخلي مؤكد.
رابعاً ـــ إنها اتهامات تدخل في حيّز الاحتمالات أو في حيّز الشبهات المجانية، لكن إطلاقها يدلّ على أن هناك من يستطيع، متى أراد، أن يسمّم الحياة الداخلية اللبنانية لمجرد إلقاء الشبهة.
هل من احتمال آخر؟ وإذا كان هناك احتمال آخر فإنه لن يخرج، بالتأكيد، عن دائرة السوء التي تضمّ ما سبقت الإشارة إليه.
النتيجة الواضحة، حتى الآن، هي أن ضربة قاسية وجّهت لفرضية التوصّل إلى صياغة إجمالية وإجماعية داخلية لبنانية للمحكمة المذكورة. وأغلب الظن أن هناك من بات متأكداً، عن حق، بأن رفض مناقشة التفاصيل كان يتضمن الرغبة في تحويل عمل المحكمة نحو الداخل.
من يقل بصعوبة التوافق اللبناني على المحكمة يقل، في الوقت نفسه، إن عقد سلّة التسوية قد انفرط. لا مجال لتوازن جديد في الحكومة خارج التوافق على المحكمة، ولا مجال لرئيس جديد وبرلمان جديد خارج إطار هذا الحل المتكامل. والنتيجة انسداد كامل لأفق التسوية وإنهاء للمبادرات اللبنانية والعربية التي كانت تبحث عن ثغرة تنفذ منها.
إن تجدّد البحث بأي صفقة بات محكوماً بأن يبحث عن منظومة جديدة تماماً لا يبدو أن المعطيات اللبنانية توفّر عنصراً، ولو واحداً، من عناصرها. وبما أن انسداد الأفق يعني، في لبنان، التصعيد، فالواضح أن هذه هي الوجهة. قد يكرّر العام 2007 العام 2006 على حدّة أكثر.
يحصل ذلك في حين أن الأمل مقطوع، أو شبه مقطوع، بأن يحصل تدخّل عربي متوازن لإيجاد مخرج. فالقوى العربية المؤهلة لهذا الدور منحازة وتقف عند نقطة وسطية بعيدة عن التوازن اللبناني الداخلي. وبما أن هذه القوى، أي الدول، رافضة، حتى الآن، لعقد صفقات عربية ـــ عربية تنعكس على لبنان فإن الاستنتاج المنطقي هو أنها قد تكون جزءاً من المشكلة أكثر منها جزءاً من الحل.
ليس الوضع الدولي أفضل حالاً. فالوضع الدولي يعني، هنا، الولايات المتحدة أساساً وفرنسا استطراداً. الثانية داخلة على الأرجح في مرحلة انعدام وزن بفعل الانتخابات الرئاسية وهي ستستمر، على الأرجح، على نهجها الحالي. أما الأولى فتعيش مخاضاً لم يستقرّ على حال بعد.
قد يكون الميل الأميركي، في المدى المتوسط، انكفائياً. إلا أنه في المدى القريب عدواني ورافض التسليم بضرورة التأقلم مع التعثّر الذي أصابه في العراق والمنطقة وفاقم منه التعثّر الإسرائيلي في لبنان. ويمكن الزعم بأن إدارة جورج بوش ستحاول، في الأشهر القليلة المقبلة، مضاعفة رهاناتها والسعي إلى تجميع الأوراق بين يديها، وخوض مغامرات جديدة قبل أن تجازف بإدخال أي تعديل على توجّهاتها.
لقد كان يقال إن باباً للخلاص يفتح هنا إذا تلاقى ضغط أميركي ضعيف مع حكمة لبنانية عالية، وإن باب التوتر يفتح إذا صادف الضغط الأميركي القوي حكمة لبنانية منخفضة. ها نحن ندخل عهد انعدام الحكمة عند بعض اللبنانيين الذين باتوا يتصرفون وكأن المشكلة الكبرى هي تراجع الهجمة الأميركية (الإسرائيلية) العامة على المنطقة. إن لبنانيين بيننا يقفون على يمين جورج بوش ويقدمون أنفسهم قوة ضغط يستعين بها لتغليب خياراته على الخيارات التي يدعو إليها «واقعيو واشنطن».
أسوأ ما في الوضع اللبناني أن اللبنانيين يستقبلون العام الجديد بتفاؤل. إلا أنه تفاؤل ضمن معسكرين يعزّز عند كل واحد إيمانه بقدرته على هزيمة الآخر. كان يفترض بذلك أن يكون مدعاة إلى قدر من التشاؤم وإلى الشعور بعبء المسؤولية وإلى التردّد أمام بعض القرارات.
إن خفّة سياسيين لبنانيين لا تطاق. يتصرفون، في لحظة الدفع نحو الانهيار، وكأنهم مراقبون للحدث أو كأنهم يكتبون الدراما اللبنانية بصفتها رواية هزلية... روايتهم الهزلية لمأساة تحلّ بهم وبنا.