جورج شاهين
يتابع المصدر البارز في الرابطات المسيحية عرض خلاصة الجولة التي قام بها وفد من الرابطات، وشملت أبرز القيادات السياسية والروحية. وبعد الشق المتعلق بالعلاقات المسيحية الداخلية، يطل في هذا القسم على علاقة القوى المسيحية بشركائها في الوطن، استناداً الى وقائع لقاءات الروابط المسيحية مع سياسيين وروحيين مسلمين، وما رافقها من خفايا. يقول: «توسعنا في الحديث في كل اللقاءات عن معاني الشراكة الحقيقية، وعن السعي الدائم الى تعزيز الوحدة الوطنية، وضرورة عدم تنامي أجواء التهميش والتغييب القسري لفئة واسعة من اللبنانيين. ولفتنا الى ان التاريخ البعيد والقريب يشير بوقائعه الى النتائج التي ترتبت على شعور فئات لبنانية بعدم المساواة أو الغبن في المشاركة في الحكم. فالوطن لا يحكم من فئة واحدة». وأضاف: «ان ردود الفعل إزاء هذه القواعد الوطنية، عززت ما يمكن تسميته القواسم المشتركة البديهية، مع الإشارة الى إقرار البعض بمثل هذه الحقائق، وسعي آخرين الى اعتبار ان فيها كثيراً من المبالغة»، وتوسّعنا في هذه اللقاءات في شرح معاني الديموقراطية! لكن الأمر يختلف عند البحث في بعض الملفات الأساسية الخلافية بين اللبنانيين، والتي يمكن التوقف عند بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
ففي اللقاء مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وعندما طرح ملف الفروع الثانية في الجامعة اللبنانية وضرورة قيام المجمعات المقررة في جبل لبنان كما كل المجمعات في المحافظات الأخرى، فوجئ الوفد بحرص رئيس الحكومة على ان «الجامعة ليست مجموعات من المباني بل مجمّع واحد تتوافر فيه مقومات العصرنة والوحدة. ولما قيل له ان الفروع الثانية هي بالنسبة الى بعض حلفائكم إنجازات وطنية كبرى وعليكم مساعدتهم لحمايتها، ردّ السنيورة بتغيير الموضوع».
وفي اللقاء مع وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت، أشار الوفد المسيحي الى «الخلل» في التواصل بين الوزارة والرابطات المسيحية. وقال أحد أعضاء الوفد لفتفت: «أنت متهم بالسعي الى تركيبة أمنية لفئة لبنانية واحدة، والى تأسيس شيء ما خارج القانون وما ينص عليه الدستور، وكأنّ ما تبنيه يقع خارج تركيبة الأجهزة الأمنية القائمة في البلد، وخارج الجيش والأمن العام وأمن الدولة».
ردّ فتفت متوسعاً في الدفاع عما يقوم به. لكنه أقر بالخلل في الأجهزة الأمنية التابعة للوزارة، ووعد بالتصحيح، داعياً الى التعاون لتعزيز الحضور المسيحي في قوى الأمن الداخلي، ولتشجيع المسيحيين على التطوع في دورة جديدة تصحّح ما حصل من فوارق كبيرة، مؤكداً انه لن يوقّع على دورات تطويع، «إلا إذا توافر فيها التوازن».
وفي لقاء مع مرجعية روحية إسلامية سمع الوفد المسيحي كلاماً قاسياً في حق العماد ميشال عون وفئات سياسية أخرى مسيحية وغير مسيحية، فتمنّى الوفد على المرجعية ان تظل أكبر من الطوائف وفوق النزاعات، ولا تتحول سنداً لفريق أو فئة. ولما قيل للمرجعية ان ترشيح عون لرئاسة الجمهورية ليس قضية الوفد، لكن ماذا مثلاً عن إمكان ترشيح سمير جعجع للمنصب، سارع المرجع الى الرد: «ما وصلت القصة لهون وليس بالضرورة ان يتم ذلك!».
وفي لقاء مماثل مع مرجع إسلامي آخر، سجل الأخير ترحيباً بالوفد فاجأ الأعضاء، وخصوصاً عندما حرص على لقاء ضيوفه في فندق انتقل إليه بسبب عدم قدرته على البقاء في مقره الأساسي. وبعد عرض نتائج الحرب الأخيرة، شكر المرجع ما سماه «العناية اللبنانية عموماً، والمسيحية فوق العادة بالنازحين» إبان العدوان الأخير، وأكد «ان البلد لا يحكم إلا بالمشاركة الحقيقية لا بالاستئثار».
تجدر الاشارة الى ان هذا «غيض من فيض» لقاءات الوفد، لم يكن القصد منه إثارة ما لا يجب الحديث عنه، بل تصويب ما يجري وإلقاء الضوء على مكامن الأخطاء التي ارتكبت أو تلك المرشحة لذلك، ومحاولة الاجابة عن الكثير من الأسئلة المطروحة، ومنها على سبيل المثال: لماذا بلغ الوضع المسيحي ما بلغه؟ ولماذا هذا البعد وانعدام الثقة بين القوى المسيحية؟ هل صحيح ان المسيحيين غائبون عن الحكم والحكومة؟ هل صحيح ان التوازن الوطني بات مفقوداً الى الدرجة التي يخشاها البعض، أم في ذلك بعض المبالغة؟ هل صحيح أن المسيحيين باتوا وقوداً للإدارة السنية ــ الشيعية للبلد؟ لماذا هذا الشعور عند بعض المسيحيين بأنهم يدفعون الثمن دائماً نيابة عن اللبنانيين كافة؟ هل قدر المسيحيين محتوم باستعادة تجربة حروب الإلغاء والتحرير عامي 1989 و1990، وبالوجوه والقيادات عينها؟ لماذا يقع على عاتق المسيحيين فقط توفير الانقسام الوطني بدل الطائفي والمذهبي، فيتوزعون وقوداً بين قريطم والسرايا والمختارة من جهة والضاحية وعين التينة وبعبدا من جهة أخرى؟ هل صحيح بأنه لن يكون للمسيحيين رأي في من سيكون في قصر بعبدا بعد عام تقريباً؟