غسّان سعود
شكوى المطارنة الموارنة الأخيرة من الانتهاكات في بعض وزارات الدولة، ليست آخر الكلام، بل أوّله. فعدم تعيين الحكومة مديراً عاماً أصيلاً لوزارة التربية، والاستهانة بالعرف والقانون في تعيين الامتحانات الرسمية يوم أحد، ليسا سوى حلقتين في سلسلة من انتهاك التوازن الطائفي الوظيفي التي تطول يوماً بعد يوم، منذ تأليف الحكومة الحالية. وأكثر هذه الحلقات خطورة ما يحصل في بلدية بيروت

بدأت انتقادات الصرح البطريركي لعمل وزارة التربية منذ إعطاء الوزارة في حكومات سابقة تراخيص إنشاء قرابة أربعين كلية ومعهداً، لم تستوفِ الشروط القانونية. وتصاعدت حدة الانتقاد بعد اكتشاف أن الكليات والمعاهد من لون طائفي واحد، الأمر الذي دفع بالحكومة، يومها، إلى استحداث لجنة رأسها وزير التربية السابق سمير الجسر، ومهمتها إعداد مشروع يتضمن المواصفات والمعايير المطلوبة لإنشاء جامعة. لكن الأحداث اللاحقة جمدت الدراسة من دون أن تؤثر في نشاط هذه المعاهد وازدهارها.
وزارة التربية
حين قدّم وزير التربية الحالي الدكتور خالد قباني تقرير اللجنة المذكورة، أرفقه بملف يتضمن قراراً بتحويل المعهد الكندي ـــ اللبناني الى جامعة يُطلق عليها اسم جامعة الحريري الكندية ـــ اللبنانية. وذلك على رغم أن التقرير الذي قدمه قباني ينص على تجميد وضع كل المعاهد والجامعات في انتظار صدور قانون يحدد المعايير والمواصفات لإنشاء جامعات جديدة.
وفي موازاة هذا الاستثناء المفاجئ وغير المبرر، أثارت المدارس الكاثوليكية مسألة تفرّد فئة معينة في وضع البرامج التربوية. ثمّ حذّرت المرجعيات الروحية المسيحية من شطب المدارس المجانية من الموازنة المقررة لسنة 2006 ـــ 2007، وخصوصاً أن هذه المدارس التي تضم قرابة ثلاثين ألف تلميذ، تتبع بمعظمها للرهبانيات اللبنانية.
أضف إلى ذلك فإن المشكلة الأكثر خطورة بالنسبة إلى المطارنة الموارنة، متمثلة في تعيين مديرين عامين بالوكالة من الطائفة السنية في المراكز التي يشغرها موظفو الفئة الأولى من الطائفة المسيحية، مقابل تعبئة مراكز المديرين العامين التي تشغر من غير الطوائف المسيحية مباشرة بمدير عام بالأصالة من الطائفة نفسها.
وتجدر الإشارة إلى أن تمديد مدة وجود المدير العام بالوكالة وائل التنير سنة ونصف سنة على رأس مديرية التربية، تسمح له بنيل تعويض نهاية الخدمة على أساس صفة مدير عام عند تقاعده. وما حصل في التربية سبق أن حصل أيضاً واستمر في الضمان الاجتماعي. وفي موقع رئاسة الجامعة اللبنانية التي كانت بحكم «أعراف الدستور اللبناني» للمسيحيين، لكنها انتقلت إلى المسلمين.
يؤكد المقرّبون من بكركي أنّها تحفظ جيداً تعهّدات زائريها، وأبرزها، في هذا السياق، وعد قطعه أمام البطريرك صفير وزير التربية الحالي الدكتور خالد قباني، قبل أكثر من ستة شهور، بـ «تعيين مدير عام للوزارة بالأصالة في الشهر المقبل، وأن ينسحب ذلك على باقي الإدارات الرسمية التي خرقت سلة الطائف». وتؤكد المصادر المقربة من بكركي، والمتابعة لسير الأعمال في التربية، أنّ توضيح وزارة التربية حول الكتاب الذي رفعته إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار بتعيين مدير عام للتربية، لا يتعدى كونه نقل المسؤولية من الابن الصغير لتيار المستقبل إلى الابن الأكبر. ويطال إشكال المطارنة مع وزارة التربية، وتيار المستقبل الذي ينتمي قباني إليه، قضية إنشاء مبنى جامعي للفروع الثانية أيضاً. ذلك المبنى الجامعي الذي، وبحسب الدكتور بسام الهاشم، رئيس لجنة التثقيف السياسي في التيار الوطني الحر، لا يجد من يعترض عليه إلا تيار المستقبل، وخصوصاً بعد موافقة رئيس الجامعة اللبنانية على إنشائه.
بلدية بيروت
وفي موازاة تحضير نواب من تكتل التغيير والإصلاح سؤالاً موثّقاً للحكومة حول التشكيلات والتعيينات التي تحصل في وظائف الفئة الأولى وتؤدي إلى خلل في التوازن الطائفي، يُعِدّ بعض المقرّبين من الصرح البطريركي ملفاً مفصلاً حول التعيينات التي يجريها المجلس البلدي في بيروت وأعماله في مختلف المناطق البيروتية، وخصوصاً مع استمرار المجلس البلدي الحالي في مخالفة قرار مجلس شورى الدولة 406/ 2005 ـــ 2006 الذي صدر في الرابع من تموز 2006، والذي يعتبر أن المذكرتين رقم 125/إ م/ 2005 ورقم 126 /إ م/ 2005 الصادرتين عن وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 6/12/ 2005، والمتعلقتين بتوزيع المناطق العقارية ومهمات المهندسين في بلدية بيروت على مجموعات، وتكليف موظفين في بلدية بيروت تأمين وظائف شاغرة، «عديمتا الوجود» و «مستوجبتا الإبطال» و«مشوبتان بعيوب» عدة، أبرزها: «اغتصاب سلطة محافظ مدينة بيروت، وتجاوزهما قواعد الاختصاص لصدورهما عمَّن ليست له صلاحية بنقل الموظفين في بلدية بيروت» و«مخالفة المبادئ العامة والأصول الجوهرية، لعدم اقترانهما بموافقة مجلس الخدمة المدنية ولعدم استطلاع رأي الرؤساء التسلسليين، ولانتفاء التعليل».
يذكر أن قرار مجلس الشورى قد اتخذ بعد تقديم مروان منصور، وهو موظف في البلدية، شكوى ضد البلدية ووزارة الداخلية، وذلك بعدما تم إشغال وظيفته بالتكليف، وذلك خلافاً لنظام موظفي بلدية بيروت، ولعدم وجود حالة التكليف في أي من القوانين والأنظمة، ولا سيما نظام موظفي بلدية بيروت الذي ينص على حالات الأصالة والوكالة والانتداب. واعتبر مجلس شورى الدولة أن قراري وزير الداخلية لم يتّخذا لاعتبارات مستمدّة من مصالح الخدمة.
إلّا أنّ وزير الداخلية بالوكالة الدكتور أحمد فتفت، وشبكة علاقات المجلس البلدي في بيروت، أمّنا التغاضي عن حكم شورى الدولة، وقرّرا الإبقاء على التعيينات وكأنّ حكماً لم يصدر.
ويقول العاملون في إعداد التقرير الجديد، والذين يتحفّظون على ذكر أسمائهم في انتظار إنهاء التقرير، إن وزير الداخلية حسن السبع خالف القانون عبر القيام بالخطوات الآتية: أولاً، إصداره قراراً بتعيين بعض مديري المصالح من دون اقتراح محافظ بيروت بالوكالة ناصيف ‏قالوش وموافقة مجلس الخدمة المدنية. ثانياً، حصول كل هذه التعيينات لصالح تيار المستقبل، وتعيين رؤساء دوائر من تيار المستقبل في المصالح حيث المديرون مسيحيون. ثالثاً، عدم تعيين رؤساء دوائر حيث ‏مديرو المصالح من تيار المستقبل بالرغم من شغور المواقع، وذلك لحصر المهمات كافة بالمدير.
‏وكان وزير الداخلية المستقيل حسن السبع، الذي ما زال ينعم باللقب الوزاري وعائداته، قد مرر التعيينات خلافاً للقانون الذي ينص على أن «يقترح مدير المصلحة رؤساء الدوائر. وبعد موافقة مجلس الخدمة المدنية، يصدر ‏قرار تعيينهم عن المحافظ». فاعتُمِد الموظفون الجدد رغم امتناع قالوش عن ‏التوقيع بحجة خسارة ‏المسيحيين، خلافاً للقانون، كل المراكز في رؤساء الدوائر في مصلحة الهندسة، وهي المصلحة الأساس في بلدية بيروت.‏
تجدر الإشارة إلى أنّ المذكّرة رقم 125 الموقعة من السبع تخالف القانون أيضاً كونها يجب أن تصدر عن ‏المحافظ بناءً لاقتراح مدير مصلحة الهندسة.‏ وبفعل هذه المذكرة، خسِر الموارنة كل المراكز في رؤساء المجموعات، وكذلك الشيعة. ويكون المسيحيون بصورة عامة، والموارنة بصورة خاصة، قد ‏خسروا أكثر من عشرة مراكز معظمها لصالح تيار المستقبل والطائفة السنية،‏ وبذلك تنخفض نسبة المسيحيين الى عشرين في المئة في بلدية بيروت. وعلى رغم إصدار مجلس الخدمة المدنية أكثر من كتاب أرسله الى بلدية بيروت يشير فيه الى أن ‏التكليف حالة غير قانونية، وورود ذلك أيضاً في التقرير السنوي للتفتيش المركزي، فإن شيئاً لم يتغير. وحافظت السلطة على استقرار المخالفات‏ التي يُسجل عليها، إلى جانب الخلل الطائفي، عدة ملاحظات، أبرزها أن المديرة المكلفة بمصلحة المؤسسات المصنفة هي مهندسة معمارية بينما القانون يفرض أن يكون شاغل هذا المركز مهندساً مدنياً أو مهندس ميكانيك أو إلكترو ميكانيك.
ويشغل المدير المعين بالمصلحة المالية أساساً مركز رئيس دائرة الخزينة، وبالتالي فقد أصبح يراقب نفسه. وهذا يتعارض مع قانون المالية، ولا سيما مواد قانون المراقبة العمومية. أما مدير مصلحة الصحة العامة فهو مجاز في الحقوق، بينما يفرض القانون أن يكون شاغل هذا المنصب طبيباً. يضاف إلى هذه جميعها توظيف عشرة سائقين في بلدية بيروت (جميعهم من الطائفة السنيَّة)، وهم بحسب تقرير مجلس الخدمة المدنية من الفائض في مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك.
أمام هذا الواقع، يبتسم أحد الوزراء المسيحيين في الحكومة، ويؤكد أن الهدف من «الإقصاء المسيحي» ليس تقزيم الوجود المسيحي، بل إعادة التوازن الوظيفي في إدارات الدولة بين موظفي الطائفتين السنية والشيعية، بعد أن أدى عهد الرئيس إميل لحود إلى تضخّم شيعي في الوظائف العامة، على حساب الطائفتين السنية والمسيحية. وهكذا يدفع المسيحيون الثمن مرتين.


لقطات
مطران على مكّة



  • تدعو المادة 95 من الدستور اللبناني إلى إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها. وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين بدون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.

  • على نسق «أعذَر من أنذر» التي أطلقها مجلس المطارنة الموارنة عشية انقلاب أكثرية قوى الرابع عشر من آذار على مبادئهم وموافقتهم على اعتماد قانون غازي كنعان، قال المطارنة الموارنة في بيانهم السابع، تحت عنوان «الأنانية الفئوية»: «إن الأنانية تفتك بالفئات والطوائف. فإذا بها، بدل أن تتعاون وتتساند في سبيل إعمار الوطن وتعزيز شأنه، تتزاحم وتتصارع في سبيل ما يعود عليها وعلى أفرادها، بالخير والفائدة، وكأن الوطن ملك لها، ولا شريك لها فيه. وفي هذه الحال تقع الدولة ومؤسساتها ضحية هذا التطاحن. فإذا بزعيم كل من هذه الطوائف يسعى إلى حشد اكبر عدد ممكن من أزلامه ومحاسيبه في الوظائف، والدوائر الحكومية فوق حاجة الدولة، سواء أكان كفياً وأهلاً لهذه الوظيفة، أم لم يكن، شرط أن يكون ابناً لطائفته، وأن يدين بالولاء لمن عيّنه في وظيفته. وهذا مفسدة للأخلاق وللوظيفة وتدمير للمؤسسات الحكومية، وتعزيز للمحسوبيات». وكان المطارنة في بيانهم الرابع قد تحدثوا بحدة عن «سعي أبناء إحدى الطوائف إلى الاستئثار بوظائف الدولة بدون إشراك سواهم من أبناء الطوائف الأخرى، وإلى اعتماد الفئوية دون الكفاية، فيكونون بذلك قد ضلّوا الطريق إلى بناء دولة وطيدة القواعد سليمة الأهداف».

  • أناط قانون البلديات السلطة التنفيذية في بيروت بالمحافظ (وهو من الطائفة الأورثوذكسية) خلافاً لما هو حاصل في جميع البلديات الأخرى، حيث تعود السلطة التنفيذية إلى المجلس البلدي. ومنذ أيام المحافظ بيروت النمَار ورئيس بلدية بيروت شفيق السردوك، مروراً بالمحافظ يعقوب الصراف والرئيس عبد المنعم العريس، وصولًا إلى يومنا هذا، تتكرر الخلافات نفسها عشية كل تعيين. لكن الفارق الوحيد أن توقيع وزير الداخلية يجعل القرارات نافذة رغم اعتراض المحافظ الذي بات، في ظل السبع وفتفت، أشبه بالمطران على مكة. وتجدر الإشارة إلى تمسك رئيس الجمهورية، منذ وصل إلى الحكم، بصلاحيات المحافظ ودوره، ورفضه طوال سنوات التخلي عن المحافظ السابق يعقوب الصراف رغم كثرة الإغراءات.