ابراهيم الأمين
يحار كثيرون في ما اذا كانت السعودية تقدر فعلاً على إقناع قوى حليفة لها تقليدياً بالعمل على تغيير المواقف الأمر الذي يمهّد لتسوية مطلوبة في لبنان الآن. لكن المؤكّد أن ممثل المملكة في لبنان وفي المفاوضات الجارية هذه الأيام، كثير القلق على الوضع، لا بل «حزين لما يحصل» وهو يشعر بأن آخرين من قادة شبّان «لا يشعرون بالقلق نفسه ولا يقدّرون درجة الخطورة التي تواجهها البلاد الآن». لكنه في الوقت نفسه يشعر بأن الأمور إما أن تتجه صوب حل واقعي يرضي الجميع أو أن البلاد تذهب نحو ما هو أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.
قبل مدة سجلت العلاقات السعودية اللبنانية خرقين هما الأهم منذ مدة طويلة. تمثّل الأول في تبلّغ السفير السعودي من الديوان الملكي ترحيب الرياض باستقبال العماد ميشال عون، وأن الأخير سبق أن أبدى رغبته في القيام بهذه الزيارة وتم نقل طلبه الى الملك عبد الله الذي بعث الى السفير الخوجة بالموافقة والترحيب وبأن يزور عون ويبلغه بالأمر وبأن يعمل لاحقاً على ترتيب الإجراءات. وثمة انتظار الآن لدى القادة السعوديين لانتهاء الجولة الداخلية التي يقوم بها، على أن يتزامن ذلك مع انطلاق أعمال التشاور قبل تحديد موعد نهائي لزيارة عون الى السعودية.
أمّا الأمر الثاني فيتعلق بزيارة السفير السعودي في بيروت للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله واجتماعه به لأربع ساعات تخلّلها كل المصارحة والعتب المتبادل، والاتفاق على مساعٍ سعودية لتحقيق توازن في الوضع السياسي في لبنان ما يجنبه المواجهة في الشارع. وفي هذا الاجتماع سمع السفير السعودي ما يصفه بـ«الكلام الحاسم» بشأن أنه ليس هناك من مجال لأي تسوية قبل إحداث تغيير حكومي يوفر الثلث المعطّل لفريق المعارضة، وأنه إذا تعذّر ذلك فإن المعارضة سوف تلجأ الى الشارع لتحقيق هذا الطلب. ويلفت السفير الى أمور تفصيلية يهتم بها منها آلية التحرك الشعبي. وهو يشعر بأن لدى نصر الله شعوراً كبيراً بالمسؤولية إزاء عدم إيصال الأمور الى مواجهة أو فتنة، وهو يستبعد تظاهرات شيعية في أحياء سنية، لكنه يعرف أن المشاركين في هذه التحركات سوف يشكلون قوى فاعلة من أوساط سنية ودرزية ومسيحية. لكن السفير نفسه سمع كلاماً من أمكنة مختلفة فيه أن فريق «المستقبل» لا ينوي النزول الى الشارع، حتى ولو ظل الآخرون في الشارع وقتاً طويلاً. لكنه سمع بأن «القوات اللبنانية» تنوي النزول الى الشارع، ما جعل السفير السعويد يبدي قلقاً خاصاً وكبيراً إزاء احتمال حصول توترات في الشارع المسيحي، وهو الأمر الذي حذّرت منه أوساط غربية في بيروت كانت تداولت بمعلومات مفادها أن القوات اللبنانية تنوي منع أنصار التيار الوطني الحر من النزول الى الشارع، وأن مجموعات مسيحية وأخرى درزية تنوي قطع الطرقات الدولية لمنع وصول متظاهرين من بقية المناطق الى بيروت.
ويقول السفير السعودي إنه من المنطقي مشاركة الجميع في الحكومة، ولا سيما التيار الوطني الحر، وإن بلاده تدعم هذا التوجه وهي في هذه الحالة لا تملك مبادرة خاصة بقدر ما تدعم بقوة مباردة الرئيس نبيه بري. لكنه يلفت الى استنتاجات هي خلاصة محادثاته مع الجميع: يصر حزب الله والتيار الوطني الحر على تغيير شامل. بينما يصر الطرف الآخر على عدم منح المعارضة الثلث المعطل لأنه يعتقد بأن ما يحصل قرار سوري هدفه الإطاحة بالمحكمة الدولية. لذلك فإن خشية السفير السعودي من التوتر عائدة الى خشيته من تمسك كل طرف برأيه والوصول الى المواجهة بدل الحل.
ولا يتوقف السفير السعودي كثيراً عند الكلام عن أن الولايات المتحدة قد تكون صاحبة مصلحة في منع هذا التوافق. ويقول إن بلاده لا تهتم بإرضاء هذه الجهة الدولية أو تلك، وربما هناك من لم يكن مرتاحاً لزيارتي السيد نصر الله، ثم هم يعرفون أننا نريد علاقات جيدة مع الجميع، وليس صحيحاً أننا نتبنى طرفاً على حساب الآخر. وقد فهم خطأ حضورنا المأدبة التي أقامها النائب سعد الحريري وألقى خلالها خطاباً بدا مستفزاً لآخرين. ولأن الجميع فهم موقفنا على غير ما هو، قررنا بعد ذلك عدم حضور أي احتفال. ومع أن السفير السعودي لا يستدرج الى تقويم «الحلفاء» إلا أن لديه الكثير من الملاحظات النقدية التي تتعلق بأمور كثيرة. ويلفت الى أنه على صلة بكل القادة السياسيين السُنّة في لبنان وأن مشكلته مع الرئيس عمر كرامي على وجه الخصوص تتعلق بموقف الأخير من المملكة خلال فترة الحرب.
وعلى هذا الخط ثمة اهتمامات سعودية غير قليلة. فمنذ اندلاع الحرب الاسرائيلية على لبنان بدت الأمور تتجه صوب تعقيدات كثيرة. كان أمام السفير السعودي مهمات عديدة بينها دعم أعمال الإغاثة من جهة وإعادة الإعمار من جهة ثانية. وهو يقول إن الرياض سارعت الى تقديم ما يجب في المجالين، ويأسف في الوقت نفسه لتعرض المستشفى الميداني السعودي لحملة تبيّن أن خلفها مؤسسات خاصة باتت متضايقة من أن هناك من يشغّل نحو مئة طبيب لبناني ويعالج اكثر من ألف حالة في اليوم. لكن هناك من يريد أن يتم ذلك في القطاع الخاص، ووصل الأمر حدود أن مهمة المستشفى قد انتهت قبل مدة. لكن وزير الصحة السعودي سأل الملك عن إمكان سحبه من لبنان فرد الملك أنه يجب مشاورة اللبنانيين قبلاً حتى لا نقوم بعمل ربما كانوا بحاجة اليه. لكن حصل أن تبلّغ السفير بترتيبات لسحب المستشفى قريباً.
في أعمال الدعم يستغرب السفير السعودي عدم توزيع الأموال على المتضررين برغم أن الـ500 مليون دولار موجودة منذ وقت غير قصير في الخزانة اللبنانية، ولا يعرف الأسباب الإدارية والروتينية أو اذا كان هناك ما يعوّق الأمر، علماً أن للسعودية وسفيرها في بيروت ثقة خاصة بالرئيس فؤاد السنيورة. وكان السفير الخوجة كثير الاهتمام بالسؤال عما اذا كان يراد من معارضة الحكومة والمطالبة بتغييرها رأس السنيورة على وجه التحديد.
والسفير السعودي يشكل الآن نقطة التواصل الخارجية الوحيدة بين جميع الأطراف، فهو بعد ترقيته ومنحه صفة لم يحصل أن نالها أحد من خارج أبناء العائلة المالكة في السعودية، يهتم أكثر بأن تتفاعل علاقاته مع الجميع ومن دون استثناء. لكنه يبدو أكثر من أي وقت سابق في حالة توتر وقلق وخشية على لبنان.