طارق ترشيشي
عشية أسبوع التشاور الذي ينطلق اليوم، تبدو مواقف الأطراف السياسية المدعوّة الى «الطاولة التشاورية»، من ضمن عدّة التفاوض لا تعبيراً عن الرغبات في اعتبار أن توسيع الحكومة على الأقل بات أمراً مسلّماً به لدى الجميع، على رغم وجود بعض المواقف التي تحبذ تغييراً حكومياً شاملاً.
ويظلل هذا التشاور موقفان:
ـ موقف أميركي يرغب في تسهيل العملية التشاورية، وقد بدا ذلك من خلال ما أعلنه السفير جيفري فيلتمان لرئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الجمعة الماضي، من تشجيع لهذه العملية يدفع اليه القلق الذي تعيشه الإدارة الأميركية عشية الانتخابات التشريعية النصفية المقررة غداً، وفي ضوء ما يتعرض له مشروعها الإقليمي من تراجع وانتكاسات، من كوريا الشمالية الى أفعانستان والعراق، وصولاً الى فلسطين ولبنان.
كذلك ينطلق هذا «التشجيع» الأميركي من رغبة لدى إدارة بوش في إشغال الداخل اللبناني بالطاولة التشاورية، في انتظار تبلور نتائج الانتخابات النصفية، ونتائج مفاوضات، عُلمَ أن وفداً أمنياً أميركياً يجريها في دمشق منذ يومين، وجاءت بعد لقاءات عقدها في الآونة الأخيرة كل من جيمس بايكر ومارتن أنديك ودنيس روس، ومسؤولون أميركيون آخرون، بمبادرة منهم في نيويورك، مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم، وسألوه خلالها عما يمكن القيام به من خطوات لمعالجة الوضع العراقي، مبدين رغبة أميركية في حصول تعاون أميركي سوري لهذا الغرض. وكذلك تنتظر واشنطن تبلور ردود الفعل العراقية وغيرها على حكم الإعدام في حق الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي نطقت به أمس المحكمة الجزائية العراقية.
ـ موقف سعودي يرغب بشدة في أن يخرج المتشاورون بنتائج تجنّب لبنان أي مشكلات داخلية تخشاها، وترى فيها ما يهدد دورها ومصالحها السياسية وغيرها فيه. ذلك أن المملكة العربية السعودية تخشى هذه المرة سقوط «اتفاق جدة» الذي كانت قد توصلت اليه مع بري الشهر الماضي، كما سقط «اتفاق الرياض» الشهير قبل بضعة أشهر على يد الأكثرية، وهذه الخشية تولّدت لديها إثر المواقف الأخيرة لرئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع، المنسقة مسبقاً مع رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، والتي هدد فيها بالنزول الى الشارع، مقابل تهديد المعارضة بهذا الأمر من أجل إسقاط الحكومة، رافضاً إعطاء ما سماه «الثلث المعطل» الى «حزب الله» وحلفائه، وداعياً الى تقصير ولاية رئيس الجمهورية، لا تقصير ولاية المجلس النيابي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وبرز من الاتصالات التي جرت في عطلة نهاية الأسبوع أن الأكثرية أبلغت الى بري أنها تقبل توسيع الحكومة ليصبح عدد أعضائها 30 وزيراً، تكون حصة المعارضة فيها 12 وزيراً موزعين كالآتي: وزيران لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود، 4 وزراء لتيار العماد ميشال عون وكتلته النيابية، وزيران لـ«حزب الله»، أربعة وزراء لبري يكون من بينهم النائب الدرزي في كتلته النيابية، أنور الخليل.
لكن «حزب الله» وحلفاءه يرفضون هذا الاقتراح، ويطالبون بأن تكون حصتهم 14 وزيراً، توزع عليهم كالآتي: وزيران للرئيس لحود، 4 وزراء لعون، 6 وزراء للطائفة الشيعية، وزيران: درزي، وآخر سني يسميهما «اللقاء الوطني». وقد أبلغت قيادة «حزب الله» الى المعنيين أن هذا «اللقاء» ومعه «تحالف الأحزاب الوطنية» الذي تشكل الأسبوع الماضي، يؤلف جبهة عريضة لا يمكن تجاهلها، وأنها مستعدة للتخلي عن حصتها الوزارية مقابل التمسك بحصة لهذه الجهة التي وقفت الى جانب الحزب خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
وفي ضوء هذه المعطيات فإنه يمكن تسجيل الوقائع الآتية:
ـ الرئيس بري يقول بالعودة الى التوازن الحكومي الذي كان قائماً عند تأليف الحكومة مطلع صيف 2005.
ـ العماد عون يقول بتمثيل وزاري في الحكومة بنسبة حجم الكتل النيابية، ويحدد نسبة هذا التمثيل بـ44 في المئة للمعارضة.
ـ «حزب الله» يقول بحضور وزاري في الحكومة يشكل ضماناً، أي «الثلث الضامن» الذي تحدث عنه أمينه العام السيد حسن نصر الله أخيراً.
ـ «اللقاء الوطني» و«تحالف الأحزاب الوطنية» يطرحان تغيير الحكومة رئاسة وشكلاً ومضموناً.
ويستدل من هذه الوقائع أنه على وجود أربع درجات في مواقف المعارضة، فإن أياً منها ليس تحت «الثلث المعطل» أو «الضامن»، مع الإشارة الى أن سقف موقف الرئيس بري تقوم عليه الوساطة العربية.
في أي حال، فإن مواقف الأفرقاء على طاولة التشاور اليوم ستكون مؤشراً على مدى إمكانية خروجهم باتفاق على موضوعي: حكومة الوحدة الوطنية وماهية الدوائر الانتخابية والنظام الانتخابي الجديد، قبل حلول استحقاق «ما بعد» أسبوع التشاور الذي حدده السيد نصر الله في حال فشل المتشاورين في التوصل الى اتفاق.