نقولا ناصيف
عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، كان ثمة جانب مهم من انشغال الوسط السياسي اللبناني يتركز على توقّع نتائج هذه الانتخابات وتأثيرها على السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وبدرجة أولى على لبنان الذي تعتبره واشنطن، منذ 14 آذار 2005، التجربة الديموقراطية العربية الوحيدة الناجحة التي رجّحت كفتها وقلبت توازناتها الداخلية رأساً على عقب، وفرضت مواعيد محددة لانتخابات نيابية انبثقت منها حكومة وطنية لا تدخّل لسوريا فيها. وكان الأميركيون قد فرضوا قبل ذلك كله انسحاب الجيش السوري واستخباراته العسكرية من لبنان. كَمَنَ نجاح الديموقراطية اللبنانية الجديدة في دعم أميركي غير مشروط اقترن بعربة مجلس الأمن وسلسلة قرارات اتخذها تأييداً للسلطة اللبنانية المنبثقة من انتخابات 2005، وفي أن استمرار هذه التجربة يتصل أساساً بدعم الغالبية الحاكمة وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وفي الوقت نفسه شلّ كل إمكانات القوى السياسية الحليفة لسوريا بعزلها والحؤول دون تهديدها إمساك الغالبية بالحكم.
عنت هذه المعطيات للمتابعين عن قرب الدور الأميركي في لبنان أنه حساب مفتوح في انتظار استكمال نجاح الغالبية في الإمساك بكل مفاصل السلطة بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يخرج من صفوفها وتجريد «حزب الله» من السلاح لقطع آخر صلة نفوذ سوري في لبنان.
لكن بضعة تحرّكات ديبلوماسية أميركية في لبنان، من خلال السفير جيفري فيلتمان أو مسؤولين أميركيين زاروا بيروت، في الأشهر الأخيرة قبل حرب 12 تموز وبعدها، عكست بداية انفتاح غير متوقع على قوى سياسية لبنانية ليست جزءاً من الغالبية، بل هي عدوها السياسي. وتوخّت الاجتماعات الإصغاء إلى هذه القوى وبعضها حليف قوي لدمشق لا يزال يجهر بعلاقته بها ويناوئ الأميركيين.
وأبرزت هذه اللقاءات، إلى كونها استمزاجاً للرأي ومواقف هؤلاء من الأوضاع الداخلية، إشارات بطيئة إلى تحوّل، قد يكون محدوداً، في تقويم واشنطن لحلفاء سوريا الذين ضُرِب من حولهم حُرم دخول السلطة وفكّ العزلة، وقوبلوا بشتى نعوت التخوين والحملات. فيما انتهت اللقاءات تلك بخلاصة مفادها أن واشنطن لا ترى ضرورة لإبقاء الأبواب موصدة في وجوههم، وأن إعادة الاستقرار السياسي والأمني إلى لبنان تقتضي ألا يقتصر الحوار على فريق الغالبية. وباستثناء «حزب الله» الذي يقاطعه الأميركيون ويحظرون على ديبلوماسييهم أي اتصال مباشر بقيادته، فإن اللقاءات بالرئيس ميشال عون، وزيارات فيلتمان الدورية له، عكست كذلك أكثر من مجرّد إصغاء إلى ما ينادي به الجنرال.
كل ذلك يجد جزءاً من إجابات أوردها تقرير ديبلوماسي أميركي يتضمن جملة مواقف هي مثار مناقشة في الخارجية الأميركية، وهو كان مثار اهتمام شخصيات سياسية بارزة على صلة وثيقة بمراجع رسمية والديبلوماسية الأميركية.
ويشير التقرير إلى المعطيات الآتية:
1 ـــــ ترغب الإدارة في استمرار التواصل مع الأفرقاء اللبنانيين باستثناء «حزب الله»، مع تشديدها على إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان تمنع الحزب من استخدامها مجدّداً. وأبرزت هذه الرغبة تمسكاً أميركياً باحترام كامل للقرار 1701 وتنفيذ أحكامه بلا تردّد، من غير أن تخفي سعياً إلى تحويل عمل مهمة القوة الدولية المعزّزة في الجنوب في نطاق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، عملياً، في معزل عن اتخاذ مجلس الأمن قراراً بذلك.
2 ــــ تعبّر الإدارة عن تضايقها من السياسة التي يتبعها عون سواء بتحالفه مع «حزب الله» أو عبر سعيه من خلال هذا التحالف إلى فك العزلة عن الحزب.
3 ــــ توازن الإدارة بين توجيه انتقادات قاسية الى موقف عون من الحكومة اللبنانية وتأكيد دعمها غير المشروط هذه الحكومة وتأييد الخطوات التي يتخذها رئيسها فؤاد السنيورة. وتالياً ترفض أي محاولة يقدم عليها الفريق الآخر لإسقاطها وتجريد الغالبية من الامساك بالسلطة اللبنانية.
4 ـــــ تلاحظ أن تحوّلاً يمكن أن يُدخله عون الى سياسته المحلية على نحو ينسجم والموقف الأميركي من الوضع الداخلي، من شأنه أن يفضي إلى حصوله على مكاسب مهمة لدى الإدارة.
5 ـــــ تعتقد الإدارة أنها ارتكبت خطأ جسيماً عندما سعت إلى إقصاء رئيس المجلس نبيه بري عن هذا المنصب بعيد انتخابات 2005، وتلاحظ اليوم أن دوره المحوري في التهدئة وإدارة حوار وطني لاستيعاب الخلافات وتفادي الانتقال بها الى الشارع، ينبغي أن يؤول إلى تقديم مزيد من التأييد لبري والدعم لدوره وموقعه على رأس البرلمان وفي الطائفة الشيعية في مواجهة «حزب الله».
6 ــــــ ترى أن الوزير السابق سليمان فرنجية هو إحدى الشخصيات السياسية المسيحية التي ينبغي استمرار الاتصال بها لتحقيق مزيد من الاستقرار السياسي اللبناني.
7 ــــــ تدعو إلى إبقاء الاتصال والحوار قائماً بعون على وفرة ما يساق ضده من مآخذ وانتقادات نظراً إلى كونه الفريق المسيحي الأكثر تمثيلاً لدى طائفته، وإن في ظلّ التحالف الذي أرساه مع «حزب الله» الشيعي. وتبيّن أن تحالفاً كهذا لم يضعف شعبيته.
8 ــــــ تقول الإدارة إن ثلاث شخصيات لبنانية رئيسية هي السنيورة والنائب وليد جنبلاط وبطريرك الموارنة مار نصر الله بطرس صفير يقتضي استمرار الاتصال بها والإصغاء إليها، ويُستحسن تعزيز التعاون معها لأن مواقفها تحظى برضى الإدارة الأميركية وتحتل لديها أولوية، من غير إعطاء سمير جعجع أهمية موازية.
9 ــــــ تأكيدها أن الموقف الأميركي من المساعدة التي تقدمها الإدارة للبنان مرتبط بالأسباب والتطورات السياسية نظراً إلى أهميتها، لا بمقاييس الإصلاحين الإداري والاقتصادي وإنجازاتهما. وهذا ما عمدت الإدارة إلى تعميمه على الصناديق الماليــــــة الدوليــــــة المعنيـــة بتقديم المساعدة للبنان.
10 ــــــ لا تكتم خشيتها من أن زيادة الضغوط وانكفاء التأثير الأميركي لدعم دور الغالبية من شأنهما أن يمكّنا فريق المعارضة من تحقيق مكاسب سياسية سريعة.