strong>بيسان طي
تأخّر صدور قانون “منظم ورادع” يختص بالمعاملات التكنولوجية. وتعمل حالياً لجنة نيابية برئاسة النائبة غنوة جلول على وضعه، ويبدو أن ثمة إصراراً على أن يبصر النور قريباً، وقد حصلت “الأخبار” على النسخة الأحدث منه وهي نتاج عمل اللجنة حتى جلستها الأخيرة في 17/10/2006

مشروع القانون ــ في قراءة أولى له ــ يبدو “غير ناضج” إذ تغيب عن بعض فقراته التوصيفات والتعريفات العلمية والقانونية الدقيقة، وبعض فقراته لم تتم صياغتها بكتابة قانونية صحيحة. ويحتاج إلى إعادة صياغة تجعل فقراته أكثر دقة ووضوحاً من الناحيتين العلمية والقانونية. ويبدو مشروع القانون “مسيّساً” من خلال اقتراحه إنشاء “هيئة التواقيع والخدمات الإلكترونية” وإعطاءها صلاحيات كبيرة كأنها “قيصر المعلوماتية” في لبنان ويُعين أعضاؤها الخمسة “بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير المختص” ما يجعلها رهينة القوة الممسكة بالسلطة التنفيذية.
قال مصدر نيابي مطّلع على مشروع القانون وعلى سير مناقشته لـ“الأخبار” إن اشتراع القانون بحد ذاته أمر جيد وملح وضروري، فقد اتسعت رقعة التعاملات الإلكترونية في لبنان بسرعة كبيرة. ولفت إلى أن هذا العمل “انطلق من الصفر”، فلبنان ما زال يفتقد إلى تشريع قانوني في مجال تكنولوجيا المعلومات. وقد احتاج إلى “جهد جبار” للعمل عليه، غير أن المصدر لفت إلى أن مشروع القانون هذا مأخوذ بنسبة 60 في المئة منه عن القانون الفرنسي. وأخذ المصدر النيابي على الصيغة الموضوعة حتى 17/10/2006 بأنها تفتقر من الناحية القانونية إلى المصطلحات والصياغة القانونية الدقيقة، أي إنها تعاني برأيه “مشكلة قانونية”. ولفت أيضاً إلى أن إقرار قانون متعلق بتكنولوجيا المعلومات يتطلب تغييرات في قانون التجارة وقانون العقوبات وقانون الموجبات والعقود وقانون أصول المحاكمات القانونية، فهذه القوانين لا تأخذ بالمستندات الالكترونية ولم يتم تعديلها حتى الآن. وقال إن صياغة القانون ستحتاج إلى ورشة عمل مكثفة كي لا يتضمن تناقضاً مع نصوص قانونية أخرىلا يعاني المشروع بصيغته الأخيرة مشكلة قانونية فقط، بل تشوبه ثُغر عديدة، فهو لا يقترح أن يتولى القانون تنظيم كل الجوانب المتعلقة بالجرائم الالكترونية وبالتعاملات عبر الإنترنت، وقد ترك عدد منها لمراسيم تنظيمية، خلافاً للقوانين المعتمدة في الدول المتطورة الأكثر تقدماً في قطاع المعلوماتية. ولم يولِ مشروع القانون أهمية كبيرة لقضية تبادل معلومات المجرمين فيما يتعلق بالجرائم العابرة للحدود، وهي متعددة ومتنوعة بحسب النشاط الجنائي حين يتعلق الأمر بالشبكة الافتراضية.
يبدو أن المشروع يتضمن أجزاءً منقولة من كتاب بعنوان “عن مشروع قانون متعلق بالاتصالات والكتابة والمعاملات الالكترونية” أشرف على كتابته الوزير الراحل باسل فليحان، والكتاب نسيج واحد مترابط لا يصح اجتزاء بعضه كما هي الحال.
يطالب مشروع القانون في الفقرة المتعلقة باستضافة البيانات من كل مزود خدمات بأن يحتفظ بمسالك المعلومات لمدة ثلاثة شهور، هل هذه المدة كافية نظراً لأن التحقيقات تتطلّب الحصول على معلومات قد يزيد عمرها على سنة أحياناً؟
لكن الثغرة الأهم في مشروع القانون تتعلق بـ“هيئة التواقيع والخدمات الإلكترونية”، فهذه وحدها صاحبة كل الصلاحيات المتعلقة بالشؤون التقنية والقانونية، والأسوأ في الأمر أن “وحدة حماية البيانات ذات الطابع الشخصي” ليست وحدة مستقلة بل تخضع هي أيضاً لسلطة الهيئة، وذلك خلافاً للأعراف والقوانين المعمول بها في معظم الدول المتقدّمة لصون حريات المواطنين والحفاظ على حقوقهم.
وفي الحديث عن التواقيع الإلكترونية لم يحدد مشروع القانون بصيغته الحالية إن كانت الهيئة ستتولى إدارتها أم ستوكل الأمر إلى شركات خاصة. وبحسب مشروع القانون يعين رئيس الهيئة وأفرادها (وهم 5 أشخاص) بمرسوم من مجلس الوزراء بناءً على “الوزير المختص”، لكن من يضمن استقلالية هذه الهيئة؟
في هذا الإطار تساءل المصدر النيابي عن سبب الإصرار (في صيغة مشروع القانون الأخيرة) على ربط “مصير” الهيئة بمجلس الوزراء كما يجري في أمور عديدة. “هل هي خطوة جديدة لتحويل رئيسه إلى “حاكم مطلق” بيده كل الأمور؟”
وحدّدت مسودة مشروع القانون بتعديلاته الأخيرة أن هذه الهيئة تخضع لوصاية “الوزير المختص” (وردت في العديد من الفقرات) دون تحديد الوزارة. فهل هو وزير الاتصالات أم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية مثلاً؟ أم وزير آخر؟ وقال أحد المتخصصين الذين درسوا مضمون مسودة القانون “إن النص قد يوحي بأن النائبة غنوة جلول رئيسة اللجنة النيابية المختصة وضع القانون تمهد الطريق من خلاله للدعوة إلى إنشاء وزارة مختصة بشؤون التكنولوجيا” وأضاف سائلاً “هل هي المرشحة الأبرز لتوليها؟”
مشروع القانون خضع لدراسة معمّقة وفق ما يعلن معدوه من وقت لآخر، ويستغرب متابعون لشؤون التكنولوجيا هذا الكلام، فهل تمت استشارة ممثلي قطاع المعلوماتية في لبنان؟