عرفات حجازي
كان الرئيس نبيه بري واضحاً عندما قال في جلسة الحوار الثالثة بعدما لمس رفض الأكثرية قيام حكومة وحدة وطنية: «إذا أردتم السير بالديموقراطية التوافقية فالطريق واضح. التطورات والنتائج التي أعقبت العدوان على لبنان تستلزم تأليف حكومة إنقاذ وطني تحمل أعباء النهوض ببلدهم، وإذا رفضتم السير في هذا الخيار واخترتم الديموقراطية على الطريقة الغربية: أكثرية تحكم وأقلية تعارض، فنحن مستعدون لتقديم استقالتنا، وأسارع إلى طمأنتكم سلفاً إذا كنتم تعتبرونني بطريركاً للشيعة، فأنا أمامكم أقول: سأبارك أي بديل تختارونه عن وزرائنا الخمسة».
يتضح من ذلك أن استقالة وزراء أمل وحزب الله لم يكن مفاجئاً بل جاء منسجماً مع مواقف القيادتين اللتين حرصتا منذ البدء على طرح حكومة الوحدة الوطنية بطريقة إيجابية وأعطتا المهل للنقاش والبحث والتفاهم من دون أن تستخدما عبارة إسقاط الحكومة، بل سعتا الى حضّ الأكثرية على توسيع الحكومة أو تعديلها من دون أي تغيير لا في رئيسها ولا في مكوّناتها الأساسية ولا في بيانها الوزاري. مع ذلك لم يبادر الفريق الآخر الى ملاقاة القيادتين ومعهما التيار الوطني الحر بموقف إيجابي، بل بإصرار على عدم التسليم للمعارضة بالثلث المشارك. عند ذلك حصل أكره الحلال «الطلاق»، والكرة، على ما يقول الرئيس بري، في ملعب الأكثرية، وهي أمام خيارين: إما التراجع عن رفض المشاركة وإما الاستمرار بحكومة لا تمثيل فيها للحزب والحركة وتكتل التغيير والإصلاح، هي تحكم ونحن نعارض.
وإذ تشدد أوساط الحزب والحركة على أن قرارهما نابع من إصرار الأكثرية على وضع شروط ونتائج مسبقة للتشاور ورفض مبدئي للمشاركة في صنع القرار الوطني، فإن قادة في الغالبية النيابية سارعوا الى ربط قرار الاستقالة بمشروع المحكمة ذات الطابع الدولي وأن ثمة نيّة لتعطيل المحكمة في إطار سياق متصل بملاحظات رئيس الجمهورية على مشروع المحكمة، ثم رفضه تعيين جلسة لمجلس الوزراء اليوم لإقرار المشروع من دون أن تسقط افتراض أن هناك قوى إقليمية أوصت بهذه الخطوة المفاجئة وفي هذا التوقيت بالذات، معيدة الى الأذهان ما جرى في 12\12\2005 عندما اعتكف وزراء أمل وحزب الله حين طرح في مجلس الوزراء موضوع إنشاء المحكمة الدولية، واليوم يقدمون استقالاتهم في تكرار للمشهد نفسه عند طرح الموضوع نفسه بفارق أحد عشر شهراً وبنتيجة واحدة كما يقولون هي عرقلة قيام المحكمة ذات الطابع الدولي.
وترد أوساط أمل وحزب الله بأنهما أعلنا بما لا يقبل الشك موافقتهما على مبدأ المحكمة والالتزام الكامل بكشف قَتَلة الرئيس الحريري وأنهما على استعداد لمناقشة التفاصيل، «لكنهم كما فعلوا في 12\12\2005 استعجلوا تمرير أمر المحكمة في حينه ورفضوا تمني الرئيس بري تأجيل الأمر 48 ساعة فقط، واليوم أسقطوا التشاور بإصرارهم على عقد جلسة استثنائية لبحث مشروع المحكمة تجاوزاً للنصوص الدستورية».
ومع إصرار الرئيس السنيورة ومعه الفريق الأكثري على حقه في عرض الموضوع على مجلس الوزراء لمجرد إطلاع رئيس الجمهورية عليه ورد الرئاسة الأولى بأن مشروع الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان هو بمثابة معاهدة دولية وليس بنداً عادياً يدرج في جدول الأعمال وأن الجلسة لن تكون دستورية لمخالفتها الصريحة للمادة 52 من الدستور، ومع استمرار هذا الجدل الدستوري والسياسي، يطرح السؤال: ماذا بعد استقالة الوزراء الشيعة؟ الى أين يمكن أن يصل التصعيد؟ وهل يتراجع السنيورة عن الدعوة للجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء؟ هل سُدّت الطريق أمام حلول وتسويات تنقذ الوضع مما هو فيه؟
مصادر سياسية مطلعة على خلفيات ما يجري ويحضّر في الكواليس لا تخفي قلقها من وصول التصعيد الى مستويات خطيرة، والمعلومات المتقاطعة تؤكد أن خطوة الاستقالة ستليها خطوات أخرى في إطار التحرك لإسقاط الحكومة، بعدما استنفدت المعارضة كل المهل والوسائل لإيجاد تسوية تحت شعار ما يمكن أخذه بالتفاهم أفضل من أخذه في الشارع، وأن التنازل عن بعض السلطة أفضل بكثير من خسارتها كلها. وتضيف المصادر أن حزب الله أبلغ حلفاءه أنه جاد وحاسم في الذهاب الى آخر الخط وأنه لن يسمح أياً كانت الظروف والمحاذير للأكثرية بأن تأخذ البلاد الى خيارات مشبوهة وتضعها تحت الوصاية الدولية، وأنه أعدّ خطة متكاملة لتحركه ستكون لها آثارها السياسية من دون أي مساس بالأمن.
ورغم أن المؤشرات توحي بأن البلد أصبح في ممر العواصف وأنه سلك طريق المواجهة بعد أن انفتح الوضع على أزمة في الحكم واتجاه الفرقاء الى الاحتكام للشارع الذي يمكن أن يتطور الى فوضى وعنف، لا يُسقط سياسي لبناني مخضرم عاصر العهود المتتالية منذ الاستقلال احتمال العودة الى منطق العقل والحكمة وعدم التهور، ملاحظاً أن خطوة السنيورة برفض الاستقالة «خطوة عاقلة يجب أن تستتبع بأخرى تتمثل بتأجيل جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية لاستعادة مناخ الحوار والتشاور حول كل القضايا الخلافية وتحديداً حول إقرار مشروع المحكمة الدولية بإجماع أو شبه إجماع، والعودة الى طاولة التشاور». وتوقع السياسي المخضرم أن تسارع السعودية ومصر والولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى معنيّة ومتابعة للوضع اللبناني إلى بذل جهود مركّزة لمنع الوضع من الانفجار، والتحذير من مغبة السير في سياسة المكاسرة وارتداداتها على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية.