strong>جورج شاهين
رئيس الحكومة: المشروع سيرسل مباشرة الى الأمم المتحدة

أقر مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية التي انعقدت أمس في مقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبرئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، مشروع مسودة المحكمة الدولية، في حضور جميع الوزراء، باستثناء وزراء حركة «أمل» و«حزب الله»: فوزي صلوخ، محمد خليفة، طراد حماده، محمد فنيش وطلال الساحلي، والوزير يعقوب الصراف، الذين قدموا استقالاتهم رسمياً من الحكومة. كما حضر الجلسة القاضيان رالف رياشي وشكري صادر المكلفان متابعة موضوع المحكمة مع الامم المتحدة.
وبعد الجلسة التي استغرقت قرابة ساعتين، أذاع وزير الإعلام غازي العريضي المقررات الرسمية، مشيراً الى أن السنيورة استهل الجلسة بالقول: «بعد مرور 11 شهراً تقريباً على قرار اتخذه مجلس الوزراء، وبحضور فخامة الرئيس، أصبح لدينا مسودة للاتفاق ولنظام المحكمة للتحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والجرائم المتصلة بها، التي استهدفت المس بحريات البلد واستقلاله وسيادته وأمنه واستقراره ووحدة أبنائه».لافتاً إلى أنه «خلال كل الفترة السابقة كان ثمة ملاحظات حول مشروع المحكمة، أثارت الكثير من الهواجس والقلق عند كثير من الناس»، مكرراً ما كان أعلنه عن الاتصالات التي جرت بينه وبين رئيس الجمهورية إميل لحود بعد تسلم المشروع يوم الجمعة الماضي، «للاتفاق على عقد جلسة اليوم (أمس) ولم يكن تجاوب من قبل فخامته بعد سلسلة محاولات واتصالات واقتراحات باءت كلها بالفشل».
ورأى السنيورة أن «الجلسة دستورية مئة في المئة». وتطرق الى استقالة وزراء «أمل» و«حزب الله» والوزير الصراف قائلاً: «كنا ولا نزال حريصين على الوحدة بين اللبنانيين، وسنبقى نستعمل أسلوب الحوار والتفاهم والعلاقات الودية، ونحن محكومون وملزمون بالتعاون مع بعضنا لخدمة بلدنا. لقد رفضت الاستقالات وأجبت كل زميل من زملائنا المستقيلين بكتاب خطيّ اليوم (أمس)، رافضاً الاستقالة وطالباً الاستمرار في ممارسة مسؤولياتهم، لأن في ذلك مصلحة للبلد. وسنقوم بكل المبادرات اللازمة لأن تكون هذه الحكومة هي الناظمة والوسيلة والأداة لإدارة شؤون البلد بشكل سليم».
بعد ذلك قدّم وزير التربية القاضي خالد قباني مداخلة عن «شرعية الحكومة المستمدة من المجلس النيابي والثقة التي منحها إلى أعضائها، ودستورية انعقاد الجلسة»، مؤكداً «أننا لسنا في دولة فيديرالية بل في دولة واحدة».
ثم ناقش المجلس مسودة الاتفاق بين الامم المتحدة ولبنان والنظام الأساسي لقيام المحكمة الدولية، فاستمع الى شرح من وزير العدل شارل رزق وكل من القاضيين رياشي وصادر، وأشار العريضي الى أنه جرى توضيح كثير من النقاط والتساؤلات التي أثيرت خارج الجلسة او داخلها من قبل الوزراء، «وكان تأكيد من قبلهم على حصر المحكمة المنوي تشكيلها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، والجرائم التي وقعت في البلاد منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة حتى اغتيال النائب الصحافي الشهيد جبران تويني، وعلى اعتماد القانون اللبناني. وكان نقاش تفصيلي وجدي وعلمي وعميق من قبل الجميع على طاولة مجلس الوزراء. وبعد المداولة كان اتفاق على أن مجلس الوزراء يرى أن ليس لديه أي ملاحظات على مسودة الاتفاق والنظام كما أودعهما الأمين العام للامم المتحدة، وبالتالي يوافق على اعتمادهما ومتابعة إجراءات السير بهما وإبلاغ الأمم المتحدة بذلك».
مواقف قبل الجلسة
وكان السنيورة قد سئل لدى وصوله عما إذا كانت المسودة في حاجة الى توقيع رئيس الجمهورية وانعقاد مجلس النواب لإقرارها، فأجاب: «هذه مسودة، وفي حال إقرارها ترسل مباشرة الى الامم المتحدة». مشيراً الى أن «الاتصالات مستمرة». بدوره أكد الوزير سامي حداد أنه سيتم التصويت على مسودة المحكمة «مئة في المئة». ورداً على سؤال عن موقف الوزير الصراف، قال إنه «لا يشرّف كثيراً». وتمنى الوزير ميشال فرعون أن تكون هناك نهاية للأزمة الحكومية، معتبراً «أن الوزراء لا يزالون جزءاً من الحكومة، والجلسة دستورية»، فيما رأى الوزير جو سركيس: «أن كل هذه الأزمة السياسية عائدة الى موضوع المحكمة الدولية» متمنياً «على زملائنا الوزراء المستقيلين أن يعودوا عن استقالاتهم وأن ينضموا الى مواقعهم، وبالتالي كان من الأفضل أن يحضروا جلسة اليوم (أمس) ويستقيلوا غداً(اليوم)».
من ناحيته أوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر أن حضوره الجلسة «ليس له علاقة بالموضوع الدستوري ولا بالتفسيرات الدستورية وغير الدستورية، بل له علاقة مباشرة بالأشخاص الذين استشهدوا في لبنان وبالذين دفعوا دماً في أرض لبنان»، مؤكداً «أنني لست هنا اليوم لا من فريق 14 آذار ولا من فريق 8 آذار، أنا أمثّل هنا كل لبناني دفع دماً في هذا البلد».
ماذا دار في الجلسة؟
أشارت معلومات خاصة لـ«الأخبار» إلى أنه بعد كلام السنيورة الاستهلالي، قدم وزير العدل شارل رزق عرضاً مفصلاً للظروف التي رافقت ولادة المحكمة الدولية والمفاوضات التي قادها القاضيان رالف رياشي وشكري صادر مع المستشار القانوني للأمين العام للأمم المتحدة نيكولا ميشال وفريق عمله، والصيغ التي جرى تبادلها حتى اليوم بين الطرفين. كما تناول رزق الاتفاقية المشتركة الموقعة بين الأمم المتحدة ولبنان ممثلاً بوزير العدل آنذاك وزير التربية الحالي خالد قباني، في حزيران 2005، وانعكاساتها على تأسيس المحكمة، بالإضافة إلى الآلية التي رسمتها لطريقة التعاطي بين لبنان ولجنة التحقيق الدولية.
وأشار رزق إلى أنه اصطحب معه القاضيين رياشي وصادر لتأمين التفسيرات القانونية والدستورية المتصلة ببنود مسودة الاتفاقية الجديدة والنظام الداخلي للمحكمة، مجدداً القول «بالتوازن والتوافق» الذي ميز الصيغة الجديدة.
وأبلغ رزق مجلس الوزراء أنه في إمكانه إقرار المسودة الجديدة وإرسالها إلى مصدرها في الأمم المتحدة، أي إلى الأمين العام، من دون توقيع رئيس الجمهورية ولا عرضها على المجلس النيابي، وطلب إلى رياشي وصادر تقديم الشروح الضرورية.
وعلمت «الأخبار» أن القراءة القانونية والدستورية التي استند إليها الفريق القانوني لوزير العدل قضت بالعودة إلى مضمون المادة 52 من الدستور، التي نصت على الآتي: «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة...».
وبذلك تستطيع الحكومة إقرار المسودة من دون العودة إلى أي تفاهم بين السنيورة ولحود قبل طرح الأمر على مجلس الوزراء كما حصل بالأمس، ما دام مجلس الوزراء فوض وزير العدل والقاضيين رياشي وصادر إجراء المفاوضات مع الجانب الدولي في جلسة لمجلس الوزراء عقدت برئاسة لحود في 12\12\2005، وبذلك ينتفي دور رئيس الجمهورية.
أما بالنسبة إلى عدم الحاجة إلى الحصول على موافقة المجلس النيابي، فقد قالت المادة عينها: «وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة» وهذا يعني أنه في إمكان مجلس الوزراء إطلاع المجلس النيابي على المسودة في أي وقت لاحق، إذا رأى أن مصلحة البلاد تقضي بإرسال المسودة فوراً إلى الأمم المتحدة، وأن الأمر يتصل اليوم بإقرارها وإرسالها إلى الجانب الدولي مباشرة.
وفي ما يتعلق بالمرحلة التي تلي إرسال المسودة إلى الأمم المتحدة، علمت «الأخبار» أن القراءة القانونية نفسها قالت بإرسال المسودة إلى الأمم المتحدة مباشرة، لتوضع في صيغتها النهائية، تمهيداً لإعادتها إلى لبنان «اتفاقية مشتركة» وباللغات الفرنسية، العربية والإنكليزية، ليصار إلى إقرارها وفق الآلية التي تحدث عنها السنيورة عقب الجلسة.
وبعد ذلك تولى القاضيان رياشي وصادر تقديم الشروح إلى الوزراء الذين طلبوا توضيحات تفصيلية عن كل البنود المدرجة في المسودة.