لا أنتمي إلى «مدرسة البيع والشراء» وهم من تلامذتها النجباء
ابلغ رئيس الجمهورية إميل لحود الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، في رسالة خطية، أن قرار الحكومة الموافقة على وثائق مشروع مسودة المحكمة الدولية «لا يلزم الجمهورية اللبنانية إطلاقاً لأن هذه الوثائق لم تكتسب موافقة الجمهورية اللبنانية عليها ولأن قرار الموافقة صدر عن سلطة مناهضة لمبادئ الدستور واتفاق الطائف وأحكامهما». وخاطب لحود أنان: «أحرص على أن تساهموا معي في أن نوفّر على بلدي لبنان انقسامات خطيرة من شأنها تهديد مسيرة السلام فيه، في وقت يسعى فيه إلى التضامن لإزالة الآثار المدمّرة للعدوان الأخير على شعبه وأرضه».
وأكد لحود أن قيام المحكمة ذات الطابع الدولي «هو أحد العوامل الأساسية التي ستؤدي الى معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه». وضمّن الرسالة ملاحظاته على مشاريع وثائق الاتفاق، طالباً من أنان أن يضمّن تقريره المرتقب إلى مجلس الأمن نص كتابه مع الملاحظات على مسودة مشروع الاتفاقية ونظام المحكمة الخاصة للبنان.
وجاء في الرسالة: «أعلمكم بما يأتي:
1- إني كنت أول المبادرين الرسميين في لبنان الى استنكار الجريمة التي أودت بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وطلب إجراء تحقيق دولي (...) ولا أزال متمسكاً بمعرفة الحقيقة في كل ما يتصل بهذه الجريمة، معتبراً أن قيام المحكمة ذات الطابع الدولي أحد العوامل الأساسية التي ستحقق هذه الغاية.
2- عملاً بالمادة 52 من الدستور اللبناني، يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء عليها. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب.
ورغم أني لم أكن على علم، إلا لأيام خلت، بمضمون مشاريع الوثائق العائدة للمحكمة، التي كانت لأشهر موضع مناقشات مكثفة على ما أوردتم في كتابكم، فقد أبديت ملاحظات جوهرية وخطية على هذه المشاريع وأبلغتها الى رئيس الحكومة تمكيناً لنا من مناقشتها والتوصل الى اتفاق بشأنها وفقاً لما ينص عليه الدستور. إلا أن هذه الملاحظات لم يتم درسها ومناقشتها لحينه. لذلك، فإن الوثائق الدولية التي تفضلتم بإرسالها الى الحكومة اللبنانية (...) لم تحظَ بالموافقة والإبرام من قبلي بالاتفاق مع رئيس الحكومة وهي بالتالي غير قابلة للإحالة الى مجلس الوزراء للموافقة عليها. فيكون بالتالي القرار الصادر بتاريخ 13/11/2006 بالموافقة على مشاريع الوثائق المرسلة منكم، والذي قد يبلغ إليكم، مفتقراً إلى أي قيمة قانونية وغير ملزم للجمهورية اللبنانية بأي حال من الأحوال.
3- إضافة الى ما سبق، يبقى أن الحكومة اللبنانية كانت قد فقدت، بتاريخ اتخاذ قرار الموافقة، الشرعية الدستورية تبعاً لاستقالة جميع الوزراء من الطائفة الشيعية من الحكومة، بحيث أصبحت غير مؤهلة لاتخاذ أي قرار بهذه الأهمية، لأن في دستورنا مبدأً ميثاقياً مدرجاً في مقدمته يقضي بأن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، فضلاً عن أن المادة 95 من الدستور تنص على أن تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة. أما المادة 49 فتجعل من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة ورمزاً لوحدة الوطن وساهراً على أحكام الدستور ومحافظاً على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه».
وتابعت الرسالة: «لذلك أرسلت كتاباً الى رئيس الحكومة بأن حكومته أصبحت فاقدة للشرعية الدستورية وغير مؤهلة لاتخاذ قرار بالموافقة على مثل هذه المعاهدات الدولية. ولهذه الأسباب الجوهرية، أعلمكم بأن قرار الموافقة على مشاريع وثائق الاتفاق الدولي لا تلزم الجمهورية اللبنانية إطلاقا لأن هذه الوثائق لم تكتسب موافقة رئيس الجمهورية، ولأن قرار الموافقة هذا صادر عن سلطة مناهضة لمبادئ الدستور واتفاق الطائف وأحكامهما».
من جهة أخرى، نقل رئيس المجلس الماروني العام الوزير السابق وديع الخازن تجديد الرئيس لحود تمسكه بضرورة كشف المجرمين الذين اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مؤكداً أنه «مصرّ على إنشاء المحكمة الدولية التي تراعي حرمة السيادة وتؤمّن المشاركة اللبنانية الفاعلة فيها، وذلك وصولاً الى الغاية التي نريدها وننشدها وهي معرفة الحقيقة لنتحرر من هذا الكابوس الذي أقضّ مضجع اللبنانيين، لا أن يوظفه الخارج وبعض الأطراف لأهداف لا تليق بدم الشهداء».
وأبدى لحود استغرابه واستهجانه «للمنحى الذي يسلكه البعض داخل الحكومة وخارجها، مطلقاً الأحكام البعيدة كل البعد عن منطق الدستور، وكأن الحكم بات ملك الأكثرية التي يدّعون أنها تمثلهم داخل الحكومة والمجلس النيابي، والجميع يعرف أن هناك على الأقل أكثرية بمعنى التمثيل الشعبي المسيحي في كتلة العماد ميشال عون النيابية، ناهيك بحلفاء أفرقاء المعارضة الذين لا يستهان بوزنهم الشعبي».
ورد لحود أسباب العودة الى نغمة تنحيته الى أنهم «ينزعجون من موقفي الداعم لحق عودة الفلسطينيين الى أرضهم وعدم توطينهم، كذلك يزعجهم موقفي الداعم للمقاومة الوطنية منذ كنت قائداً للجيش. أما السبب الثالث والأهم فهو أني لا أنتمي الى «مدرسة البيع والشراء» التي يؤكدون أنهم من تلامذتها النجباء، فأنا لا أبيع مواقف مقابل أي ثمن لأني ثابت مع الحق ومصلحة بلدي».
والتقى لحود الوزير السابق كرم كرم الذي أطلعه على الظروف التي أحاطت بانتخاب الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية، وما رافقها من ضغوط وإغراءات ومساومات تعدّت الرمزية العلمية والإنسانية لهذه المنظمة المهمة، وكذلك الرئيس السابق لجمعية المصارف عبد الله الزاخم، وعرض معه الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد في ضوء الأزمة السياسية الحالية، وما يمكن أن تخلفه من تأثيرات على مؤتمر باريس ـ 3.
(الأخبار، وطنية)