دعا رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الى استئناف الحوار من أجل تأليف حكومة وحدة وطنية «في أسرع وقت ممكن» حتى لا يصل الاحتقان الى الشارع. وقال في حديث إلى وكالة «فرانس برس»: «يجب التوصل الى حكومة وطنية تمثّل كل الأطراف في أسرع وقت ممكن حتى تبحث الأمور المهمة (...) في المواضيع المصيرية يجب إشراك الجميع لأن العكس يؤدي الى الشارع ونحن نرفض ذلك». وأضاف: «يجب أن يعود كل الفرقاء الى الحوار حتى يجدوا حلاً لحكومة وحدة وطنية» لتجنب وضع خطير.من جهة أخرى، رأى رئيس الجمهورية أن القرار الذي حمل الرقم واحد والمتعلق بمشروع الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية لإنشاء محكمة خاصة للبنان «باطل بطلاناً مطلقاً وكأنه لم يكن» لصدوره عن «هيئة فقدت مقومات السلطة الدستورية».
وجدّد كتاب وجّهته المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء «أنه لا يمكن عقد جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة مشروع الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن إنشاء محكمة خاصة للبنان ومشروع نظام المحكمة الخاصة المذكورة، وذلك وفقاً لأحكام المادة 52 من الدستور التي تنيط برئيس الجمهورية تولي المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، حتى إذا لم يتحقق هذا الاتفاق بنتيجة التشاور بين الرئيسين لا يمكن عرض مشروع عقد المعاهدة الدولية على مجلس الوزراء للموافقة عليه».
أضاف: «ولمّا كان فخامة رئيس الجمهورية حريصاً على عدم الافتئات على أي من اختصاصات رئاسة الدولة (...) وبما أنه سبق للمديرية العامة لرئاسة الجمهورية، بعدما استجدت استقالة جميع وزراء الحكومة من طائفة معينة، أن وجهت كتاباً الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تعلمها فيه بموقف فخامة الرئيس بأن هذه الاستقالة تحتم اعتبار هذه الحكومة فاقدة للشرعية الدستورية (...) وأن كل اجتماع لأعضاء فيها باطل بطلاناً مطلقاً وغير دستوري (...) وبما أن رئيس الجمهورية (...) فإنه بصدد اتخاذ الإجراءات التي تكفل التقّيد الدقيق بالمبادئ والأحكام الميثاقية والدستورية تصويباً للأمور وحؤولاً دون الدخول في متاهات التفلّت من القيود الدستورية، حفاظاً على مصالح الامة اللبنانية ومصيرها، بدءاً من اعتبار نفسه بحلّ تام من أي مهل أو أصول أو إجراءات يلزمه الدستور بها بمعرض تعامله مع مقررات صادرة عن سلطة دستورية قائمة بصورة صحيحة. لذلك، تبلغكم المديرية العامة لرئاسة الجمهورية قرار فخامة رئيس الجمهورية اعتبار القرار رقم 1 تاريخ 13/11/2006 باطلاً بطلاناً مطلقاً وكأنه لم يكن».
من جهة أخرى، حدد لحود ملاحظاته على مشروع الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن تأسيس المحكمة، وأرسلها الى الأمين العام للامم المتحدة كوفي أنان في كتاب رسمي تبلغته الأمانة العامة في نيويورك مساء أول من أمس. وحذّر لحود من تداعيات تسمية «المحكمة الخاصة للبنان» على مكانة لبنان الدولية التي قد «تحمل على الاعتقاد أنه بلد من بلاد الإجرام». ولاحظ أن مشروع الاتفاق لم يرفق بأصول إجراءات المحاكمة وقواعد الإثبات لدى المحكمة، ونظام حماية الضحايا والشهود، ونظام تمويل المحكمة، كي تبرم معه وفقاً للآلية المنصوص عنها في المادة 52 من الدستور اللبناني. وأورد ملاحظات حول توسيع ولاية المحكمة، مشيراً إلى خلو المشروع من أي اشارة حول «كيف يمكن أن تشمل ولاية المحكمة الجرائم التي قد تحصل في لبنان بعد 12 كانون الاول 2005 من دون أن تقع في الاستنساب والتسييس»، لافتاً الى أن في ذلك «انتقاصاً متمادياً لسيادة القضاء اللبناني».
وفي موضوع الصلاحيات التي تنيطها الاتفاقية بالأمين العام للامم المتحدة لجهة تعيين القضاة اللبنانيين والدوليين، تساءل لحود عن «المعايير التي سيعتمدها الأمين العام في عملية اختيار القضاة اللبنانيين وهو لا يعرفهم، وما هو دور وزير العدل في هذه العملية، وهو رأس المرفق القضائي عملاً بالمادة 66 من الدستور، ولماذا تغييبه عن تبني اقتراح مجلس القضاء الأعلى أسماء هؤلاء القضاة». وتساءل عن المقصود بعبارة «إمكان التئام المحكمة خارج مقرها عندما ترى ذلك ضرورياً»، واقترح تضمين الاتفاق نصاً يفيد «أن الأحكام المبرمة الصادرة عن المحكمة تعتبر بمثابة أحكام دولية غير خاضعة بطبيعتها لأي طريق من طرق الطعن لدى المحاكم اللبنانية او الخفض او الإلغاء بفعل العفو»، معتبراً «أن التوسع في موضوع مدة الاتفاق أمر مستحسن اذا تجاوز مدة الثلاث سنوات من دون أن تنهي المحكمة مهماتها»، إلا أنه أسف لبقاء مشروع الاتفاق بعيداً عن المستوى المطلوب تحصيناً للمحكمة الدولية وعملها ضد أي استغلال سياسي المنحى والأهداف». ورأى «أن النص المتعلق بولاية المحكمة الزمنية وامتدادها الى الجرائم الحاصلة في أي تاريخ لاحق مقرر (...) ينم عن قرار سياسي بإبقاء الوضع الأمني والقضائي في لبنان والوضع الاقليمي اعتباطياً واستنسابياً وانتقائياً (بوجود حق النقض) تحت السيطرة السياسية لأصحاب النفوذ والمشاريع والمآرب المشبوهة وابتزازهم إن في لبنان أو في المنطقة».
وفي ما خص المسؤولية الجزائية الشخصية وتجريم المسؤول عن المرؤوس، سجل لحود مأخذين يندرجان في خانة الإبهام الذي لا يجوز في مواد التجريم هما: «1- بالنسبة إلى المسؤولية الجزائية الفردية، لم نفهم ما المقصود بأن يكون الشخص مساهماً في الجريمة وبالتالي مسؤولاً جزائياً إذا كان الهدف من مساهمته تفعيل أو تفاقم أو تصعيد النشاط الإجرامي العام لمجموعة أشخاص يعملون على هدف مشترك؟ 2- بالنسبة الى تجريم المسؤول عن المرؤوس، فواجب اذا ثبت الامر أو العلم، أما مسائل القدرة او انتفائها لدى المسؤول، او فشله في التحكم بمرؤوسيه مما أدى الى تفلتهم لارتكاب الجرم، فهي مسائل فيها استنساب كبير لا يتوافق ومبادئ القانون الجنائي اللبناني او الدولي على حد سواء، سيما اذا كانت الجريمة الإرهابية جريمة فردية حيث لا سلطة او جماعة مسلحة معينة قامتا او تقومان على مرأى من الجميع بجرائم شاملة ومتمادية بقيادة او حماية او تغاضي المسؤولين عن هذه السلطة او تلك الجماعة، كما يحصل في الجرائم الشاملة».
أضاف: «إن تطبيق أعلى المعايير الدولية في مجال العدل الجنائي، على جريمة فردية إرهابية يقضي بأن يصار الى التثبت من مسؤولية المسؤول عن فعل مرؤوسه بأكثر قدر ممكن من الأدلة القاطعة».
(الأخبار، أ ف ب)