حاصبيا ــ عسّاف أبو رحّال
تتجدّد أزمة تصريف الزيت والزيتون في مناطق العرقوب ووادي التيم، كما هي الحال منذ سنوات عدة. ويهدد الإهمال مصير هذه الزراعة القديمة فيما يتساءل المزارع عن كيفية بيع الإنتاج في ظل منافسة أجنبية، وانخفاض السعر في الأسواق الى ما دون كلفة الانتاج. ويبرز حجم المشكلة مع حقيقة أن غالبية الأهالي في هذه المناطق الحدودية، يعدّون شجرة الزيتون مصدراً رئيساً لمدخولهم، وقد أخذوا يستخدمونه اليوم وسيلة للمقايضة، في ظلّ الكساد الحاصل.
ومع بداية فصل الخريف من كل عام، يبدأ موسم قطاف الزيتون، فينطلق المزارعون الى حقولهم لجمع المحصول السنوي، فيما يعمل أصحاب المعاصر في الإعداد للموسم الجديدوعلى خط آخر، تنشط حركة التجارة والنقل بين القرى الجنوبية المنتجة والعاصمة بيروت وباقي المدن اللبنانية المستهلكة. كما يستقطب الموسم شريحة واسعة من التجّار يقصدون المنطقة ببضائعهم المتنوعة، لمقايضتها بكميات من الزيت والزيتون. ويقول المواطن راجي واكيم، إن معظم العائلات تشتري حاجاتها من بطانيات وسجاد ولوازم منزلية وبعض المواد الغذائية عن طريق المقايضة بمادة الزيت والزيتون.
وزراعة الزيتون في منطقة العرقوب ووادي التيم قديمة قدم التاريخ. توارثتها أجيال عدة، بدليل وجود أشجار معمرة يعود تاريخها الى زمن الرومان، ويطلق عليها تسمية «زيتون روماني». ويقول المزارع كامل أبو عمار من حاصبيا: «إن الله عز وجل ذكر شجرة الزيتون في كتابه العزيز. فهي شجرة النار والنور والغذاء والدواء. لذا فهي جزء من تراثنا وحياتنا اليومية. تأقلمت مع بيئتنا المتوسطية الجافة ورافقت الأجيال عبر العصور منذ آلاف السنين. وحتى اليوم لم نجد زراعة مناسبة وبديلة تتلاءم وطبيعة ارضنا ومناخنا. وهناك أكثر من نصف مليون شجرة في منطقة حاصبيا، ثلثها حديث العهد، يزيد انتاجه سنة اثر سنة وتعطي في موسم الحمل نحو خمسة آلاف طن من الزيتون، أي ما يساوي 950 طناً من الزيت الجيد، أو ما يعادل 60 ألف صفيحة». وأضاف أبو عمار «إنّ الدولة تتسلّم قسماً من هذا المنتج، لكن ماذا نفعل بالباقي في ظل قلة التصريف وتدنّي الأسعار، ووجود زيوت أجنبية مستوردة بأسعار رخيصة؟».
وأجمع عدد من المزارعين على أن تكلفة معالجة فدان زيتون (35 شجرة) على أساس سنتين «خل وحمل» بإنتاج قدره 40 مد زيتون، أي ما يعادل 800 كيلو غرام، تُحتسَب على الشكل الآتي: «أجرة حراثة لسنتين 160 دولاراً أميركياً، رش مبيدات مختلفة وأسمدة 150 دولاراً، تشحيل 50 دولاراً، قطاف ونقل وعصر 100 دولار. وبذلك تكون التكلفة 460 دولاراً، مقابل معدل انتاج قدره 150 كيلوغراماً من الزيت أي عشر صفائح. وبناء عليه، تكون تكلفة الصفيحة الواحدة 46 دولاراً أو 70 ألف ليرة لبنانية.
ويتساءل المزارعون عن كيفية بيع إنتاجهم بسعر متدن، وبالتالي كيف يستطيع المزارع مواصلة نشاطه في منطقة حدودية، وفي قطاع زراعي منتج ومهم يمثّل ركيزة أساس داعمة للاقتصاد الوطني العام. ويطالب هؤلاء المسؤولين المعنيين بدعم هذا القطاع، والاهتمام بالمزارعين الذين تشبثوا بأرضهم وزراعتهم طوال عقود.
ورأى رئيس الجمعية التعاونية الزراعية في حاصبيا رشيد زويهد، أن المواطن اللبناني يجهل قيمة الزيت المحلي، ونحن بحاجة الى حملات إعلانية منظمة ومدعومة، لتعريف المواطن بقيمة الانتاج اللبناني، خصوصاً هذه السنة حيث الموسم جيد والإنتاج أجود. وقال: «في منطقة حاصبيا أكثر من نصف مليون شجرة زيتون، ثلثها حديث العهد يتزايد انتاجها سنة اثر سنة، والتعاونية تتلقى مساعدات من وزارة الزراعة هي عبارة عن أسمدة ومبيدات توزع على المزارعين، كما أنها تسهم في جمع الانتاج من الزيت تمهيداً لتسليمه الى المؤسسة العسكرية».
ويؤكد أصحاب المعاصر أن معاناتهم تتساوى مع ما يعانيه المزارعون. فالإعداد للموسم الجديد يتطلب شراء المحروقات وقطَع الغيار والتجهيزات اللازمة، إضافة الى اليد العاملة، فيما تستوفي المعصرة أجرها زيتاً. وتضم قرى العرقوب ووادي التيم نحو 50 معصرة غالبيتها من الطراز الحديث، وأصحابها من كبار المخزنين لمادة الزيت.
لكن، رغم هذه المعوقات، يبقى موسم الزيتون في القرى الجنوبية موسم الخير والبركة، ويبقى المزارع الجنوبي متمسكاً بأرضه، رغم ما يحيط به من أخطار كثيرة.