طارق ترشيشي
التاريخ يعيد نفسه، كما سقطت حكومة الرئيس عمر كرامي بعد 14 يوماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تحت ضغط شارع معارضة الأمس وأكثرية اليوم، فإن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مطلوب سقوطها تحت ضغط اكثرية الأمس ومعارضة اليوم، مع تسجيل فارقين:
ــ الأول هو ان حكومة كرامي سقطت نتيجة المضاعفات والتداعيات الخطيرة التي نجمت من جريمة 14 شباط، على المستويات اللبنانية والعربية والدولية، والتي أُريد منها أن تكون اجتياحاً معكوساً للبنان، يبدأ من قلب العاصمة حيث اغتيل الحريري ورفاقه، وينتهي بالقضاء على سلاح المقاومة في الجنوب. ولكن هذا المخطط سقط نتيجة فشل إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وحلفائهم الغربيين، في توظيف هذه الجريمة لإحداث فتنة أو انقسام لبناني، يختلط معه الحابل بالنابل ويطيح المقاومة وسلاحها ثأراً لإسرائيل، بعد هزيمتها الاولى باندحارها عن الجنوب.
ــ الثاني هو ان حكومة السنيورة مطالبة بالسقوط، نتيجة التداعيات الداخلية والاقليمية والدولية التي نجمت من هزيمة اسرائيل الثانية أمام المقاومة في عدوانها الأخير، الذي جاء كارثياً بنتائجه عليها في بنيتها السياسية والعسكرية، حيث لم تعد في نظر العالم الدولة التي لا تقهر.
وإلى هذين الفارقين هناك فوراق أخرى يمكن تسجيلها، وهي أنه في الوقت الذي عملت فيه الأكثرية السابقة (معارضة اليوم) اثر اغتيال الحريري، على التعاطي بهدوء مع تحرك المعارضة في حينه (أكثرية اليوم)، حيث قدم «نظامها الامني»، حسب تعبير الاكثرية الحالية، كل التسهيلات للأنشطة والتحركات التي قامت بها، والتي توّجتها في «تجمع 14 آذار 2005» في ساحة الشهداء، الذي جاء بعد 6 أيام رداً على «تجمع 8 آذار» في ساحة رياض الصلح. فيما توّجت قوى «قوى 8 آذار» تسهيلاتها التي أقدمت عليها لتجنيب البلاد أي فتن أو صدامات داخلية من شأنها أن تطيح السلم الأهلي بما سمي «التحالف الرباعي»، بل والأكثر من رباعي، في انتخابات ربيع عام 2005 التي أشرفت عليها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وهو تحالف مكّن «قوى الـ14» كما سماها النائب إيلي سكاف على طاولة الحوار الوطني من الفوز بالأكثرية النيابية.
وكانت النتيجة أن الأكثرية ردت على كل هذه التسهيلات بالآتي:
أولاً ــ الاستئثار بموقع رئاسة الحكومة بالإتيان بالرئيس فؤاد السنيورة إليه على قاعدة أنها الاكثرية ويحق لها وحدها ان تحكم، وإبعاد الرئيس ميقاتي عن هذا الموقع بعدما كان متفقاً محلياً وعربياً ودولياً على ان يتولى هو رئاسة حكومة ما بعد الانتخابات الى حين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. علماً بأن ميقاتي لم يترشح هو أو أي من وزراء حكومته للانتخابات ضماناً لحيادها في العملية الانتخابية، ثم الطعن لاحقاً بدستورية التمديد للرئيس لحود الذي لولا توقيعه لما كانت انتخابات ولا حكومة ولا من يحكمون... والضغط عليه لكي يستقيل ليتم انتخاب رئيس من «الفريق الآذاري الاكثري» وبالتالي الإطباق على السلطة بكاملها.
ثانياً ــ التمرد على التحالف التوافقي الذي تألفت بموجبه حكومة السنيورة والاندفاع في اتخاذ قرارات بالتصويت الاكثري عليها في جلسات مجلس الوزراء خارجة عن «الديموقراطية التوافقية» التي أرساها «اتفاق الطائف» لجهة آلية اتحاذ القرارات في السلطة التنفيذية مما أدى الى اعتكاف الوزراء الشيعة في مرحلة أولى لدى طرح موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الحريري في جلسة عقدت بعد ساعات على اغتيال النائب جبران تويني في 12 كانون الأول 2005، ثم استقالتهم الاسبوع الماضي بعدما «طفح الكيل» في خروج الأكثرية عن التوافق والمضي قدماً في سياسة الاستئثار بالسلطة ورفضها تأليف حكومة وحدة وطنية تعيد التوازن المفقود في السلطة.
ثالثاً ــ الخروج عمّا اتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني وخصوصاً في ما يتعلق بالمحكمة الدولية ورئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة بعد الرهان (على الأقل) على العدوان الاسرائيلي الأميركي الاخير للقضاء على المقاومة والذي باء بالفشل نتيجة صمود رجال المقاومة الأسطوري أمام آلة التدمير الاسرائيلية المتطورة جداً.
وفي المقابل فإن المعارضة بعد انتصار المقاومة هذا ردت وترد، على رغم رجحان ميزان القوى مجدداً لمصلحتها، بدعوة الاكثرية الى الانخراط معها في حكومة وحدة وطنية ولا تزال تراهن على تسوية في ربع الساعة الأخير قبل النزول الى الشارع الذي بات وشيكاً، لإسقاط «حكومة السفير فيلتمان وليست حكومة الرئيس السنيورة» كما سماها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله امس.
بعض الذين سمعوا السيد نصر الله أمس يؤكدون أنه كان في منتهى الحسم والنجاح، وفي منتهى الإقناع، مبدّداً هواجس ومخاوف المتخوفين على البلاد وسلمها الاهلي من النزول الى الشارع، تاركاً فسحة صغيرة وأخيرة أمام الأكثرية للدخول في حكومة تتغير فيها صيغة القرار والأطراف التي تتخذه... الأمر الذي يجعل الكرة في ملعب الاكثرية التي عليها ان تدرك أن التسوية التي تحد من الخسائر هي افضل من الخسارة الكاملة او السقوط النهائي.