strong>فداء عيتاني
هذه المرأة تستمتع بالسير في لبنان، ترضي نفسها وأفكارها بالنضال، وترتاح «لأننا في بيروت يمكن أن نضع أحمر الشفاه وأن نكون مناضلات وهذا ليس ممكناً في أوروبا مثلاً». هي كويفا باترلي التي تنتقل من مهمة الى أخرى، أحياناً داخل لبنان، وأحياناً أخرى في أقاصي العالم الذي تصله باحثة عن مهمة جديدة.
«لا ألحق بسيارات الإسعاف (بحسب التعبير الانكليزي)، كل ما نحاول القيام به هو في شكل أساسي الإيضاح للرأي العام الغربي أحقية القضايا في الجنوب وإنسانيتها»، تقول باترلي، التي تتحول في لحظة الى امرأة من جنوب الكرة الأرضية، وتستمتع بدفء العلاقات الانسانية اليومية بين أبناء الجنوب، «في عيتا أحب كل النساء. أنا أسكن في منزل الحاج الشهيد مع عائلته، وأقوم بالأعمال اليومية، هذه العشرة اليومية والتواصل اليومي جزء من نضالي، لإعطاء طابع التضامن من كل العالم مع أبناء عيتا وغيرها من القرى التي تعرضت للقصف الاسرائيلي»، تقول باترلي التي تعمل ضمن فريق من «صامدون».
تخجل كويفا وتحمر وجنتاها حين تقول لها «أنت بطلة لوقوفك أمام طوني بلير في مؤتمره المشترك مع فؤاد السنيورة»، فتجيب أنّ «أيّ شخص من الجنوب أو من لبنان كان سيفعل الشيء نفسه». وحين تسألها لماذا لم يساندها مثلاً الصحافيون اللبنانيون أو المصورون، تجيبك «ربما أنتم أكثر تهذيباً منا».
بعيون زرقاء فاتحة كلون بحرنا المتوسط في الربيع، وخدود متوردة لا تنسى مسحة خفيفة من مساحيق التجميل، تشارك باترلي في قطاف الزيتون في الجنوب وتعليم الأطفال اللغة الانكليزية، وهي التي تخلت مؤقتاً عن متابعة دراستها الجامعية وراحت تجول العالم تضامناً مع قضايا العالم الفقير، من مناطق «الشياباس» في المكسيك الى العراق وباكستان حيث عرضت تجربتها في فلسطين، الى فلسطين نفسها التي ميّزتها بحب كبير للكنة أبناء الضفة، وصارت تحكي العربية بلكنة أبناء مخيم جنين، الى لبنان والتضامن مع البلاد في وجه الغزوة الاسرائيلية الأخيرة.
تشبعت هذه المرأة بقضايا العالم الثالث وصارت تشبهه. لم تتخلَّ عن حقيبة الأدوية لتحمل البندقية، كما فعل غيفارا، وإنّما تخلّت عن التعليم لتوصل صورة العالم الثالث الى العالم الأول. تحمرّ خجلاً حين تسألها إن كانت تتشبه بغيفارا، وتضحك حين تخبرها عما قاله والد غيفارا له بعد انتصار الثورة في كوبا: «عليك ان تجد مهنة، المناضل الثوري ليست مهنة»، وتسأل بخبث «هل أنت والدي الآن؟».
باترلي حصلت على مساهمة مالية من جهتين مانحتين حتى تأتي الى لبنان، وهي عادة تعمل فترات في بلادها و«أصمّد»، تقول وهي غير واثقة من التعبير، أي تدّخر لتعود الى بلاد تحبها. تتمنى ان تتقاعد في البرازيل فتجلس الى جانب الشاطئ وتأكل المانغا وتكتب مؤلفات، وتحلم بأن تحصل يوماً على منزل في مخيم جنين لأنها أحبت المخيم وناسه، وتحب الجنوب أكثر من بيروت، «فالناس هناك أبسط والمناخ أفضل والطعام صحي أكثر».
تقول باترلي إنها «مع حزب الله في المقاومة»، وتضحك، ثم تضيف انها تؤيد أي حركة مقاومة واضحة في استراتيجيتها العسكرية ولها جانب اجتماعي مثل الشياباس (الزاباتيون) أو حركة حماس.
باترلي لا تخشى من اتهامها بالتجسس، «هذه الحساسية يجب ان تكون موجودة، وخصوصاً مع اندفاع العديد من أجهزة الاستخبارات الغربية الى لبنان والدول المضطربة عبر الصحافيين وغيرهم من الغربيين». وهي تعرّضت للأسوأ في فلسطين حيث أطلق عليها القناص الاسرائيلي رصاصة أصابتها في ساقها، واعتقلتها قوات الاحتلال وهي تدخل للمرة الثانية الى فلسطين بعد أن غيّرت اسمها. «اعتبروا أنني أشكل خطراً على أمن اسرائيل وهم على حق، إذ نقل ما يحدث في فلسطين يشكل خطراً على أمنهم».