صيدا ـــ خالد الغربي
في الشارع الرئيسيّ لمدينة صيدا حيث تستوطن المصارف والمؤسسات التجارية التي يشكو أصحابها من سوء الحال، يقف عدد من الشبان الصيداويين بعدما أنهى أحدهم تصفّح الجرائد عند بسطة «أبو زياد»، وينهمكون في ورشة نقاش حاد على خلفية التطورات المحلية الحاصلة وموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
يقول عدنان الذي يضع على صدره صورة للرئيس الحريري: «...ونحن عنا رجال... سنقطع الطريق الساحلي ونجهز المسامير والمازوت والزيت»، مكيلاً المديح والثناء لمفتي جبل لبنان محمد علي الجوزو. لكن محمد المنتمي الى تيار النائب أسامه سعد يجيبه مباشرة «بدكن تتقبلوا الرأي الآخر، والسيد (حسن نصر الله) كان رايق ورفض استخدام العنف، خلي صدركم واسع»، مردفاً «ما تقلبوها مذهبية». لكنّ منسوب السجال يرتفع بسبب الاحتفال بعيد الاستقلال، الذي يبقى غير ناجز لدى عدنان، طالما بقي «السوري» وجماعته في لبنان يدبرون الانقلابات والمؤامرات. «عيب هذا الكلام»، يرد محمد، «شو نسيتو الأميركاني والإسرائيلي، اللي بيتو من إزاز( زجاج) ما بيرشق الناس بالحجارة». ويتواعد الشبان أن يلتقوا مساءً في المقهى، «بس ما بدنا سياسة»، يقول أحدهم.
ما يجعل للنقاش في الشارع الصيداوي ميزته الخاصة هو توازن المدينة السياسي الذي يكبح وضعها في خانة الحسبان على فريق واحد، فيعصمها عن اللون الواحد وتصبح الرؤية متعددة والآراء متنوعة وهو أمر اعتاده أهل المدينة وتعايشوا معه. لا أحد يستطيع شطب الآخر، تقول فاطمة الملاح، «كل واحد عندو رأيه وهو حر في التعبير عنه، المهم ما بدنا مشاكل».
«المستقبليون» وتيارهم عمدوا الى استخدام حملة إعلامية، ومنها رفع صور الرئيس رفيق الحريري ومسرح جريمة الاغتيال بكثافة، مع شعار «كي لا ننسى»، إضافة إلى السعي لربط الاستقلال وعيده بالجريمة والسيادة والحرية وبناء المستقبل. أما الناصريون وزعيمهم فآثروا توفير حراك سياسي عبر برنامج حافل من اللقاءات مع ممثلين عن القطاعات المختلفة بدأه النائب اسامة سعد، في وقت لفتت فيه حركة لبعض المشايخ السنة والجمعيات الإسلامية في التحرك للدفاع عن المقاومة وخيارها والدعوة الى رفض الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة التي تبقى بنظر هؤلاء صنيعة أجنبية ومن تدبير فريق آخر.
وبين تفاصيل المشهد الصيداوي المثقل بالهواجس لما ستؤول اليه «الكلمة الفصل»، تبدو قابلية هذا المجتمع لتنظيم الاختلاف وإدارته وعدم وقوعه في الخطأ، على الرغم من عدم نفي الاحتقان والانقسام الحاد الذي يسود الشارع الصيداوي. غير أن كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن «ديموقراطية التحرك وسلميته» بدد الكثير من الهواجس لدى العديد من المواطنين، ومنهم من هو مقرّب من تيار المستقبل، وإن كان البعض عدّه «خطاب تحدٍّ».