حاوره:إبراهيم الامين ,وفيق قانصوه ,غسان سعود
تصويروائل اللادقي

ينشغل بالسياسة، يتحدث عنها كثيراً لكن ليس بشغف. فجأة يتغير المشهد، تتحرك يدا العماد ميشال عون بحيوية أكثر، تتبدل ملامح وجهه، يبدو أكثر شباباً وحماسة، يتحرك برشاقة، ينحني ليمسح الندى عن نبتة، يلتفت ليشرح عن شجر الصنوبر، وعمّا كان يمكن أن يفعله لو كانت أرض منزله ملكاً خاصاً له. الجنرال الذي يعشق الأرض ويحفظ تفاصيلها، هو الجنرال السياسي الذي يُقنع جمهوره بمواقفه وبطريقة قلَّ نظيرها. يبدو “جنرال الرابية”بعلاقته مع أفراد عائلته واهتمامه بالملفوف والفريز والورود المزروعة في أرضه متصالحاً مع نفسه وشـعبه، ويبـدو، من دون شـك، أكثر قـوة وارتياحاً لشعبيته.
  • ما حجم تأثير اغتيال الوزير بيار الجميل على وضع التيار الوطني الحر وتمثيله المسيحي؟
    لا يستطيعون عزل التيار واحداً ولا اثنين في المئة. لا بل على العكس. الاستفزازات التي تعرض لها التيار والاعتداءات من جهة، وموقفنا الذي امتص الغضب والاستفزاز من جهة ثانية، وتصرّفنا بأقصى درجات الحكمة، وعدم قيام شباب التيار بأي رد فعل على كل ما تعرضوا له، كل ذلك أدى إلى سقوط الفتنة. وقوى الأمن أيضاً قامت بواجباتها ولو بالحد الأدنى.

  • هل ما حصل كان هبّة عاطفية أم شيئاً آخر؟
    من أرسل مرتكبي الاعتداءات في اتجاه التيار الوطني، كان مخططاً وشريكاً. وكل من حوّل الغضب في اتجاه معين، يكون هو الذي رسم الخطة. لماذا نحن من تعرض لما تعرضنا له؟ ومن المعروف أنه ليست لدينا أية تشكيلات عسكرية، أو علاقات دولية أو عمل معين، ومعروف أن أحد شعارات التيار الخاصة هو “لا عمولة ولا عمالة ولا دم على الضمير”. هذا ليس من اليوم، ولكن منذ بدأت عملي السياسي عام 1988 وحتى اليوم.

  • هم اعتبروا أن اغتيال الجميل هدفه إنقاص عدد الوزراء لعرقلة المحكمة الدولية. لماذا اغتيل بيار في رأيك؟
    ربما كانوا اختاروا غيره. ربما هو أكثر من استطاعوا الوصول إليه. والذين نجّموا قالوا إن هناك أكثر من وزير. وهناك من يكرر الكلام بأن ثمة أكثر من هدف. يُفترض أن يكون الوزير الذي سيغتال وزيراً مارونياً ليأخذ الفعالية العاطفية ويثير التناقضات. وثمة وزيران لديهما شعبية ممكن أن تتفاعل معهما هما جو سركيس وبيار الجميل. الآن الجريمة تستغل سياسياً. الغريب أنهم منذ اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم لا يتحدثون إلا عن الحقيقة والمحكمة الدولية والتحقيقات ويقولون “بدنا الحقيقة”. نحن الآن نقول “بدنا الحقيقة”. بعد 48 ساعة من اغتيال بيار لا نجد أحداً يطالب بمعرفة الحقيقة. نحن وضعنا المطالبة بحقيقة اغتياله نصب أعيننا.

  • الجرأة في تنفيذ العملية واللامبالاة باحتمال ارتكاب أخطاء في التنفيذ واختيار منطقة من هذا النوع...
    نعم هناك مكتب للتيار وبيت للكتائب ومركز للقوى الأمنية. نحن نعرف تاريخ المافيا من خلال الأفلام وأعتقد بأن الأفلام الأميركية أياماً ترتكز على وقائع. وفي الأفلام نرى مشاركة القاضي والمحامي والشرطي مرتكبي الجريمة لتشكيل حماية إذا علق أحد أفراد المافيا. هذا شيء. وثمة شبه بين الجريمة التي ارتكبت وجرائم المافيا. ولا أحد يخاطر إلا إذا كان محمياً.

  • هل تعتقد بأن الحماية موجودة عبر السلطة القائمة اليوم؟
    لا أعرف من أين الحماية ولا أستطيع أن أعطي تحليلاً. أنا لا أريد تخطّي دور الكاميرا التي تصور.
  • لماذا بحسب اعتقادك الأجهزة الأمنية لا تعمل كما يفترض بها؟
    الأجهزة الأمنية تعمل الآن. بداية كانوا يقولون إن فلول الأجهزة الأمنية تمنعهم من العمل. هذه الفلول من فوق إلى أسفل صارت إما في السجن أو خارج الخدمة. الأجهزة الأمنية الجديدة فبركها الفريق الحاكم على مزاجه وذوقه. الشعب الموجود في مكان ارتكاب الجريمة لا أعتقد أنه متآمر ليخفي الجريمة. والمجتمع هنا رافض للجريمة، والمكان مفتوح للقوى الأمنية والقضاء. ومن المخيف أن نوعاً كهذا من الجريمة، ولا يُحاسب أو يُعرف مرتكبوها. كل الوقائع وكل الأجواء المحيطة بالجريمة مؤاتية للدولة للقبض على المرتكب.

  • ما سبب عجز السلطة عن اكتشاف مرتكبي الجرائم؟
    أولاً الكفاءة، ثم التوجيه السياسي الذي يحرم كفاءات كبيرة عند الطرف المعارض من العمل مع الحكومة. وربما الانحياز الأمني السياسي يخلق نوعاً من مقاومة للعمل مع السلطة. لو السلطة الأمنية تعمل حقيقة بطريقة أمنية لكنت تجد مساعدة من عامل تنظيف الشوارع وشرطة البلدية وكل فرد في المجتمع. لكن، وعلى سبيل المثال، نحن نتصل بالقوى الأمنية عند حصول إشكال، قوى الأمن لا تلبّينا دائماً ولكن وفقاً لعواطف الضابط. لا نعرف السبب لكن لا حق لهم بعد ثمانية عشر شهراً أن يقولوا إنهم غير مجهّزين بعد. وخصوصاًَ أن ثمة أجهزة أمنية موجودة في لبنان وتعمل بكل حرية تحت شعار مساعدة الدولة.

  • ظهر بداية أن النتيجة الأولى للاغتيال هي إرباك فريق المعارضة؟ وظهر الاستثمار السريع للجريمة من أجل إضعاف التيار وإضعافك شخصياً وإضعاف المعارضة. وكان ثمة انطباع عند الناس أن أول ظهور لك كان ظهور شخص متردد في قول ما يريد قوله، إذ لديك حسابات لمراعاة المناخ العاطفي وعدم وضوح النتائج السياسية التي أوصلت إليها الجريمة؟
    كلا. أنا أعيش ضمن بيئة أحترم تقاليدها وعاداتها. تعلمت هذا بالتربية في المنزل وما زلت أمارسها وأنصح باحترامها وممارستها. تقف الخصومات عند حدود الموت. وحين يتوفى شخص في مجتمعنا يقولون “صار في ذمة الله والتاريخ”. وثمة عادات، ويذهب كل الناس للتعزية والقيام بالواجبات الاجتماعية. لأن هذه الكأس التي يشربها الجميع في النتيجة.
    هذا من جهة، من جهة أخرى الشرود الذي حصل في الشارع كان يستوجب موقفاً حكيماً واستيعابه لكي لا تتضخم المشاكل. لم يكن هناك أي شيء يمنعني من أخذ موقف سياسي مخالف للذي آخذه الآن إذا كانت الجريمة بالفعل من صنع المتهمين من البعض بارتكابها. لكن لا يجوز أن نتحول إلى رجل آلي يتحرك بالأزرار. أنا طالبت بالحقيقة وهدّأت الناس بعدما ذكّرتهم بكل الأحداث التي وقعت منذ عام 1958 وحتى اليوم. ونحن نجحنا في منع الفتنة التي هدفت إليها الجريمة. والآن ننتظر لنرى الخطوة الثانية، وإذا كان ثمة من سيقوم بها. الفريق الثاني لم يحترم إطلاقاً ما حصل. خرج عن تقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا. انحدر كثيراً جداً في تصرفاته وأعتقد ان الشعب اللبناني عاقبه. والعقاب كان في ساحة الشهداء. ونحن نعلم أن التظاهرات لم تكن في الحجم الذي كان يفترض أن تكون عليه. ونحن دعينا إلى المشاركة. أنا امتنعت شخصياً لأن الجو غير مؤات وكل اللبنانيين يعرفون السبب. الخروج على اللياقة والتوظيف السياسي. خرجوا على هيبة المناسبة فتحولت إلى مناظرة سياسية وتحديات. ولم نر أحداً يطالب بالحقيقة عند ضريح الشهيد. كل ذلك يضاف إلى إثارة حالات غرائزية غير طبيعية. أنا فزت في الانتخابات عام 2005 معوّلاً على درجة الوعي والخيار السياسي. تمر الأحداث، تمر فترات صعبة حين تأخذ الموقف الذي لا يستنتجه جميع الناس، تذهب “النقزة” فيفهم المواطنون حيثيات الموقف والنتائج الايجابية التي أعطاها لهم. لكن هذه المرة، حتى “النقزة” لم تحصل بسبب التوجه بهذا الشكل العدائي تجاهنا. بالعكس، المقتنعون بنا ازدادت قناعتهم، وكثيرون تأسفوا لما حصل، وكانوا في المأتم ثم غادروا. والمعارضة لم تربك. المعارضة تصرفت من ضمن التقاليد. هناك حداد وموت، لكن بعد فترة الحداد يفترض أن يعود الكل إلى نفسه ويسترجع حرية قراره، وحينها لكل حديثٍ حديثٌ مقابل. وعندها يظهر من معه المبادرة ومن ليست لديه المبادرة.

  • كيف تفسر طلب قيادة الكتائب من قيادة التيار الوطني الحر عدم المشاركة؟
    هم كانوا يرغبون في أن يذهب كل الناس ما عدا العماد عون. كان هناك توظيف شخصي ضدي. يرحبون بكل من يذهب لتعزيتهم عدا العماد عون. وهذا هو الخطأ الكبير الذي ارتكبوه. أميركا وأوروبا والعالم كله حاولوا بعد أن تركت بيروت أن يقولوا عونيين بلا عون. وحاولوا هذا في معركة منذ سنة حتى اليوم، أن يعزلوا الجنرال عون عن تياره. البعض قرر الاعتكاف لكن لم يأخذ خياراً آخر. التيار تشكل من قناعات فيها قهر 15 سنة. وكل من يزعل لا يذهب إلى جهة أخرى. يعودون جميعهم ليستوضحوا ويناقشوا. التيار أكبر مختبر ديموقراطي. الأطفال والكبار في السن يأتون ليناقشوا ويسألوا “جنرال لماذا قمت بهذا الأمر؟”. الناس لديها حشرية المعرفة. وأنا أفرح بتكوين هؤلاء الأشخاص لكي لا يكونوا قطيع غنم.
  • ثمة استفهامات كثيرة عن مواقف النائب نعمة الله أبي نصر؟
    نعمة الله هو رئيس الحزب الديموقراطي المسيحي. وفي الوقت نفسه في تكتل التغيير والاصلاح. قدم تمنّياً، أنا أتمنى بدوري ان يسمع هذا التمني وتحل المشكلة. وفي الوقائع، نعمة الله يحترم كل قرارات التكتل. ثمة الكثير من الشائعات ومكتبه يقضي وقتاً طويلاً في كتابة التوضيحات.

  • هل منطقة المتن مقبلة على استحقاق الانتخابات النيابية الفرعية؟ أم التطورات السياسية في البلد ستجعل من هذا الاستحقاق شيئاً ثانوياً؟
    أعتقد أن أمامنا فترة ستين يوماً، و“سيأتيك بالأخبار من لم تزود”، وخصوصاً أن الذين تنبّأوا بالاغتيال، تنبأوا أمس باغتيالات أخرى. وربما ستكون الانتخابات على أكثر من مقعد.

  • ما قصة التنبؤات، البعض يقول إنها معرفة متقدمة في قراءة الحدث، والبعض يعتبرها نوعاً من الإدانة.
    أنا أريد أن أسأل من استفاد من الجريمة. هناك جريمتان حصلتا منسوختين عن بعضهما، اغتيال جبران تويني وبيار الجميل. لماذا الضحايا دائماً في المنطقة المسيحية. نحن هنا مستهدفون لأنهم يعتبرون المنطقة حساسة. عنادنا في السياسة وثباتنا هو ما يسبب سقوط الضحايا. لو مات نصفنا، فلن نغير قناعاتنا.

  • هل تعتقد أنهم يحاولون القول إن المسيحيين سيدفعون الثمن في لبنان؟
    يفترض بالمسيحيين أن يأخذوا الموقف المحق من القضايا المطروحة داخلياً. ثمة مثل لبناني يقول إن “المصلح يأكل ثلثي القتلة”. وهذا ما حصل معي. لماذا؟ لأن السلطة تعطي وعوداً كاذبة للخارج بأنها تستطيع السيطرة على سلاح “حزب الله”. ثم تعد “حزب الله” بالمحافظة على سلاحه. منذ انتهاء الانتخابات، بدأت أرى الصورة كالواقف على المسرح من الخلف. يرى الذين في غرفة تبديل الثياب ويرى الذين يلعبون على المسرح. بدأنا البحث عن حلول ووصلنا إلى ورقة التفاهم مع حزب الله. كانوا ستة متفقين مع بعضهم ومؤلفين حكومة. وأنا في المعارضة؟ لو كنت غير مهتم وطنياً ومنشغلاً بمصلحتي السياسية لكنت قلت “فخّار يكسر بعضه”. لكن هل هذا لمصلحة لبنان. ماذا كان سيحصل لو وقعت الحرب وأنا على الحياد. كنا طلبنا إخراجهم جميعاً واستفدنا بسلبية من الحرب على حزب الله. لكن أنا لا أستطيع أن أرى جزءاً كبيراً من شعبي يقصف وأقف على الحياد. أنا لدي خيار، وملتزم بخياري السياسي. أستطيع أن أترك السياسة لكن لا أقبل ألا يكون لدي خيار في القضايا الداخلية. قد تنجح على الصعيد الشخصي وقد تفشل. لكنها خيارات يجب أن تؤخذ في الوقت المناسب، وإلا فلا حاجة للحياة. إذا كان مطلوباً من الشخص أن يعيش متدرجاً على المأساة والظلم ومن دون أخذ موقف تجاه قرار القوى العظمى ضرب حزب الله فثمة شيء يكفر. هذا ثلث الشعب اللبناني يُمعس. يريدون قتلهم إما بالقنابل وإما معنوياً. وإلى ماذا سيؤدي هذا الأمر، إلى استقرار أم الى أمور أكثر تعقيداً.
    أين “الكندرجية الذين يدّعون التحليل السياسي الاستراتيجي؟ حصل أن كان مايكل أنجلو يحفر تمثال، فمر كندرجي وقال له إن ثمة خطأ في الحذاء. فاستجاب الفنان لملاحظة الكندرجي الذي فرح بنفسه وظن أنه يعرف بالنحت فعاد وأشار إلى ملاحظة أخرى في رأس التمثال. فأوقفه مايكل أنجلو قائلاً “خليك عند الحذاء”. غير مسموح أن يصبح الدكنجي وزيراً. أو صاحب مكتب المقاولات وزيراً. هناك مدارس سياسية تخرّج أشخاصاً يفهمون اللعبة ويقدّرون إلى أين توصل وماذا تحقق. يوهمون الرأي العام ثم يستفتونه. لا يستطيعون الاستمرار في كبّ السموم.

  • ما هي تفاصيل اجتماع المسيحيين عند البطريرك الماروني؟
    حين نصل إلى نتيجة ستكون معلنة مثل الورقة التي توصلنا إليها مع حزب الله.

  • هل ستخرجون بموقف مسيحي معادٍ للموقفين السني والشيعي؟
    طبعاً لا، ليس موقف مواجهة. موقف لإعداد أصول اللعبة وللسلوك، لا أكثر ولا أقل.

  • هذا يتناقض مع طروحات قوى ناشطة في المجتمع المسيحي؟
    هم أحرار. نحن علينا أن نضع قواعد اللعبة لنتمكن من تحديد المسؤوليات.

  • وفي هذه الحال، هل ستكون بكركي على الحياد؟
    كلا ستصبح طرفاً ومع الورقة.

  • وهل بكركي الآن على الحياد؟
    مهمة الكنيسة أن تبقي الاستقرار موجوداً. وضمن الاستقرار، حصول اللعبة الديموقراطية في شكل سليم. وأنا متأكد أن البطريرك قد عمل في هذا الاتجاه.
  • على ماذا تعتمد في تخطّي محاولات عزلك؟
    هناك تكرار للأسلوب من قبلهم. والوسائل والوقائع التي يعملون بها ليس لها استمرار زمني. ومثل نار القش تحترق بسرعة. ما يعني أن ردود الفعل ستأتي لمصلحتي لاحقاً. يضاف إلى ذلك أنني لا أرد بسرعة، مثل لاعب كرة سلة أو كرة قدم يوقف الكرة ثم يسددها. ولاحظ أن الذي يسدد الكرة قبل أن يثبتها، نادراً ما يصيب الهدف. والعمل السياسي مثل العمل الرياضي. وخصوصاً أن المقصّر في اللعبة يرتكب أخطاء كثيرة وينال بطاقات حمراء. من يعطي البطاقات الحمراء، الرأي العام طبعاً. أنا أحافظ على أصول اللعبة.

  • كيف تشبّه الزعماء المسيحيين الذين سبقوك؟
    أنا أؤمن بفرادة الشخص في المجتمع. الفرادة في الأسلوب والتعاطي والمؤهلات والذكاء والعادات والتقاليد وردود الفعل. الشيخ بيار الجميل مثلاً كان يسعى إلى الهدف نفسه الذي أنا أسعى إليه، لكن المقاربة تختلف تماماً. كان يهمه أمن المجتمع المسيحي، كما درجت التسمية، وأنا يهمني هذا الأمر، لكن مقاربته تختلف عن مقاربتي. مقاربتي أنا معقدة جداً. لا تقوم على رمي حجر على كل من يرمي عليّ حجر. أنا لا أقوم برد فعل. أنا أقوم بفعل. وربما أحاول إخفاء كل الحجارة لكي لا يجد حجراً من يريد رميي بواحد. كلنا كنا نبحث عن أمننا ووجودنا الذي كان مهدداً لكن المقاربات تختلف. أنا بالنسبة إليّ لبنان جزء من محيط. التناغم الداخلي أولاً ثم مع المحيط ثانياً يوفر الاستقرار لكل اللبنانيين. في بعض الحالات، تصيبنا صواعق خارجية فيهتز الوضع. لكننا نحاول الآن الإمساك به جيداً لكي لا يهز.

  • أنت متهم بأنك شريك القوى التي تخالف مبادئ ثورة الاستقلال والأرز. وتغطي سلوك حلفاء سوريا بطريقة لا علاقة لها بالحساسية التقليدية عند الجمهور المسيحي؟
    أنا أستطيع أن أضع الآخرين، على سبيل المثال، في خانة العمالة لإسرائيل. والعمل مع الأجهزة الدولية لتقسيم لبنان وتشجيع الحرب الأهلية. هذا كلام لا آخذه بعين الاعتبار وأشفق من كل قلبي على الذين يستمعون لهذا الكلام. الذين يريدون التكلم باسم المسيحيين عليهم أن يدرسوا المبادئ التي توفر أمن المسيحيين ورزقهم واستقرارهم. نحن لسنا مستعدين لتنفيذ تعليمات أحد. نحن من هذا الشرق، نعيش هنا ونحن أساس المسيحية. لا يوجد عالم مسيحي.

  • لكنهم يعتبرون أن المسيحي جزء من الغرب وتاريخ المسيحيين في لبنان، تشكل بقوة من خلال الاستعمار الغربي ــ المسيحي؟
    اليوم هناك الله وهناك العملة. ثمة مثل يقول لا تعبدوا إلهين الله والمال. اليوم، المال يغلب الله. حين تتحدث إنسانياً أو وجدانياً يمسحون بك الأرض ويتهمونك بالطوباوية والسذاجة. أمست أخلاقيات الدين والمجتمع التي ربّينا عليها، أشياءً تافهةً. هذه هي المشكلة. نحن لسنا ضد العالم، نحن نبحث عن الاستقرار والانفتاح على العالم. لبنان هو حاضن الحضارات الشرقية منذ القدم. لبنان هو حامل الحضارات الشرقية في اتجاه الغرب. واليوم يحمل العلوم الغربية في اتجاه الشرق. نحن لدينا شخصيتنا. وهذه ربما أقلقت البعض لأنهم عاشوا على خطأ ووهم أننا ننتمي إلى الغرب. نحن لسنا مستوردين. كنيسة أنطاكيا موجودة هنا قبل الإسلام بستمئة واثنتي وعشرين سنة. أين الغريب في أن نكون من هذا الشرق. من على شواطئنا انطلق مار بولس ومار بطرس وذهبا للتبشير في روما وكل العالم.

  • إذاً عمّا تعبّر النزعة الفيدرالية؟
    هذه نزعة خوف. لأن المجتمع ما زال يحتاج إلى كثير من التطوير للوصول إلى المجتمع المدني الذي يفصل بين الممارستين الدينية والسياسية. وحين نصل إلى هذا، تنتهي المشكلة.

  • هناك من يقول إن اغتيال بيار الجميل، أتى في سياق زيادة خوف المسيحيين.
    طبعاً كانت له غاية لتعزيز منطق كسر حواجز الخوف بين المسيحيين والآخرين. وأنا أدعو اللبنانيين إلى السياحة الداخلية. أن يذهبوا إلى الجنوب والبقاع، ويحتكوا بمختلف المواطنين. صحيح أنهم رفعوا خطوط التماس منذ 16 سنة لكنهم أزالوا الحواجز الترابية لا النفسية. وهكذا نراهم يُفاجأون، ويسألون بغرابة كيف يعقل أن يذهب مسيحي إلى الضاحية. إذا كانوا لا يستطيعون الذهاب إلى عيتا الشعب، فعليهم زيارة رميش، أو عين إبل بدل بنت جبيل.

  • البعض يقول إن التحالف الضمني بين النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع، هو إعادة اعتبار لجبل لبنان الذي يفترض بحسبهم أن لا يرتبط سياسياً واقتصادياً بالأقضية الأخرى؟
    أنا أعطي قيمة سياسية ومعنوية لجبل لبنان. وهو بمثابة القلب اللبناني. والتوافق فيه مهم جداً لأنه يجذب إليه جغرافياً ونفسياً الأطراف والساحل والسهل.

  • البعض خائف وقلق من أجواء التشنج، ما توصيفك لسلوك السلطة منذ اغتيال الوزير بيار الجميل، وصولاً إلى مجلس الوزراء أول من أمس؟
    الأمن مسؤولية الدولة. وإذا كان ثمة خلل في السلطة، فهي المسؤولة عنه. الآن إلى أين سيوصل هذا السلوك وروح اللامسؤولية؟ أنا أقول إن السلطة أصبحت خارج إطار الشرعية ولا تحترم الدستور. أنا صرخت وحذرت كثيراً. القضاء على المجلس الدستوري يجعل اليوم السلطة أشبه بمافيا قائمة بحد ذاتها. من يترجم قانونياً الفقرة ي من مقدمة الدستور اللبناني. إذا أكملوا في هذه اللامسؤولية فسيتسببون بتدمير الكيان اللبناني. الحكومة الآن تستهدف وحدة الوطن. غرزوا قواعدهم بقليل من التعصب. ثمة تشنج سني ــ شيعي وتخويف متبادل، رغم أن فريقاً واحداً يقوم بهذا الأمر. هذه جميعها تدفع البعض إلى التمسك بالحكومة القائمة. إضافة إلى الدعم الدولي الذي يقلق. إذ يُفترض أن يأتي إلى الحلول في لبنان وليس إلى فريق ضمن جبهتين متواجهتين.

  • البعض يعلم أن نصف الوطن أقله ضده، فلماذا يستمر بهذا التصرف؟
    لن أكشف بصراحة عن تحليلي لأعطي فرصة، وآمل أن ترجع الحكومة إلى عقلانيتها. هم تخطّوا الحدود، لكن الرجوع عن الخطأ فضيلة.

  • المعارضة الآن بحالة انتظار أو ماذا؟
    يجب أن تترك المبادرات الفاجرة لتظهر واحدة تلو الأخرى. المقتنعون بعدم شرعية السلوك الحكومي كثيرون. لكن نحن لا نريد ستين أو سبعين في المئة من الشعب اللبناني. نريد التسعين والخمس والتسعين من الشعب اللبناني. وحين يرى هؤلاء كيف تتصرف الحكومة سيقتنعون. أنا طلبت من السنيورة مرتين أو ثلاث أن يشرح المواد الدستورية. من أجل أن يعرف الإنسان البسيط معناها، ولماذا وضعت في الدستور.

  • عملياً، نحن الآن في أي مرحلة؟
    طالما نحن لا نتحرك، ستكون مرحلة فضح المؤامرة. حصل مئة حدث يسمح لنا بردة فعل عنيفة. وربما ضعفنا بضميرنا. لكنهم يستمرون في العهر السياسي، أشخاص يسمحون لأنفسهم بأن يكونوا فاجرين بأي موقع كانوا، ويتهموا. مثل الببغاء يكررون الاتهامات، رغم أن الوقائع تشير إلى العكس تماماً.

  • الآن هم يفصلون المحكمة الدولية عن القضايا الأخرى. ويريدون من التيار أن يشاركهم الضغط على الرئيس نبيه بري لإقرار المحكمة في المجلس النيابي.
    حتى تحل المشاكل، أسهل شيء هو إقرار المحكمة الدولية. وفي خطاب 15 تشرين قلنا إن شمولية التمثيل تعطي المجتمع الاستقرار. وشمولية منفعة القرار تؤمن منفعة الجميع. بغير هذين البندين لا نستطيع تأمين الاستقرار، وخصوصاً أن هذه الحكومة هي من امتدادات حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ 1992 ومتهمة بالفساد وتغرق فيه. ثم وصلنا إلى باريس 3، أين برنامجهم الاقتصادي؟ كيف عليّ أنا كنائب أن أوافقهم على كل شيء. أنا أول من طالب بالمحكمة الدولية، وآخر من اطّلع عليها. يريدونني أن أوافق قبل أن أراها. أريد منهم أن يشرحوا لي معنى عدة أمور، وأن يضعوا الشرح مثلما هو في النص.

  • ماذا سيكون مطلبكم في الشارع؟
    لم نتباحث بعد في هذا الموضوع. أنا أستطيع القول إن هذا الوضع مرفوض. الحكومة خارج الوضع الدستوري وخارج الشرعية.
    يريدون القيام بانقلاب، هذا موضوع آخر.

  • ثمة أحاديث عن تغييب الرئيس بري، ودعوة المجلس النيابي عبر نائب رئيس مجلس النواب؟
    إذاً، على الرئيس بري أن ينتبه لنفسه.

  • التفاهم مع حزب الله، أما زال تفاهماً أم تطوّر إلى تحالف؟
    قصة التحالف معقدة أكثر. القضايا الأساسية نحن مُتفقون حولها. التحالف يشمل قطاعات الدولة المتعددة، وهي أكثر من 24 قطاعاً. ويجب أن تجد برنامجاً محدداً لها جميعها. أنا لا أتهرب من التحالف عبر التأكيد على التفاهم. لكن أنا متمسك باستعمال التعابير بدقة. نحن ما زلنا نعمل ضمن قطاع واحد، مع استعداد لتطوير التفاهم إلى تحالف مع “حزب الله” وغيره. ويجب أن أقول إن كل واحد قال إنه اتفاق سوري ــ إيراني هو مجرم. فلنفترض أن حزب الله متورط مع إيران، ما الذي يشجعه إلى العودة إلى حضن الأمومة اللبنانية إذا لم تؤمن له احتضاناً. الذين كانوا يتعاملون مع سوريا أقل من آل الحريري، كل آل الحريري، كيف تتهم حزب الله بأنه سوري وتقول إنك تريد قتله؟ أين كانوا في 13 شباط آل الحريري وغيرهم؟ نحن كنا نجتمع معهم في البريستول ونحن شهود على رفضهم الكلام عن الانسحاب السوري. وضعوا خطة جهنمية للقضاء عليَّ. هذه واضحة أكثر، نقتل الرجل، نتهم التيار ثم ننزل إلى الشارع ونكسر ونقضي عليهم. نفس الخطة تؤدي إلى نفس النتائج. وسيفشلون.

  • هل تعتقد بحصول تغيير منطقي وسلس أم أنهم يبحثون عن مواجهة؟
    هذه الحكومة لا شيء. هذه الحكومة مجرد آلة. تتصرف كأنها الولايات المتحدة، رغم نصيحتي للسنيورة قبل عشرة أيام بعدم إيهام نفسه.




    «قعدة» مع الجنرال

    أخيراً أنت أمام الفيلا التي يقيم فيها الجنرال. تتهيب الموقف. يبدو المكان الأكثر تواضعاً بين عشرات الفيلل والقصور التي شاهدتها على جانبي الطريق في الرابية. تتهيب أكثر قبل ان تمر بالحرس. هي، في المناسبة، المرة الأولى ترى مسلحاً «عونياً»!
    تدلف الى الداخل. استراحة قصيرة تسمع خلالها أصوات أولاد يلعبون، فيما وضع على قاعدتين خشبيتين كتابا الإنجيل ونهج البلاغة للإمام علي. تنزل الدرجات القليلة الى الطابق السفلي. تزداد تهيّباً. تنتهي الدرجات في القاعة المزدانة بعشرات الأوسمة والدروع التكريمية. هنا يقف الجنرال في استقبالك، في صورة أبعد ما تكون عن الصورة النمطية للسياسي «المتوثب» لمقابلة صحافية. تشعر كأنك في «قعدة» عائلية. في المكتب البالغ الصغر، حيث عشرات الكتب في القانون والدستور، يحدثك الجنرال تحيط بك ابنتاه والنائبان ادغار معلوف ونبيل نقولا وأصدقاء آخرون. شعر الذقن مرسل، ربما لأن اليوم اجازة أسبوعية، وليس «لزوم التفاهم» مع «حزب الله» كما يشير ضاحكاً. شعر الرأس يبدو أنه سرّح قبل ساعات طويلة، ما يشي بأن نهار الرجل يبدأ باكراً جداً.
    لمن يراه للمرة الأولى يبدو الرجل «عادياً». ينتابك شعور بأنك في حضرة أبيك أو حتى جدك! الجسم أكثر ضآلة مما تنقله شاشات التلفزيون. أما القامة فمنتصبة، وهي، الى جانب الصوت الحازم، على ما يبدو، السمتان الوحيدتان اللتان لا يزال يحملهما من ماضيه العسكري.
    تنتهي المقابلة. يصحبك الى الحديقة التي يهتم بزراعتها بنفسه. يحرص على أن يشرح لك أسماء الزهور والأشجار وأنواعها. ثمة من يعطي رأياً بأن أشجار الصنوبر المنتشرة في الحديقة قد تعيق نمو بقية الأنواع، فيجيب بأن البيت «مش ملكنا» وإلا كنا تصرفنا!
    «بونجور جدو». تصرخ صغيرة من حفيداته من على الشرفة المطلة. «بونجور جدو» يجيبها بابتسامة عريضة.
    و. ق




    ولد ميشال عون عام 1935 في الضاحية الجنوبية، بلدة حارة حريك. دخل المدرسة الحربية عام 1955. وتخرج منها ضابطاً مدفعياً. تنقل بين الحدود الجنوبية وطرابلس وبعلبك. ثم تسلم قيادة الجيش عام 1984. كُلف برئاسة الحكومة العسكرية الانتقالية في 23 أيلول 1988. وفي 13 تشرين الأول 1990 أخرج بالقوة من قصر بعبدا وأبعد إلى فرنسا طوال خمس عشرة سنة، انتهت في 7 آب 2005، ليقود أكبر تكتل نيابي مسيحي.