نقولا ناصيف
أبواب التسوية موصدة تماماً. ويبدو أن الحل ــ إذا صحّ القول بحل ــ سيكون في الشارع أو من خلاله. والبعض الواسع الاطلاع في المعارضة يتحدّث عن أيام قليلة، وقد تكون ساعات. ويضيف أن اجتماعات التنسيق بين أركان المعارضة قطعت شوطاً بعيداً في ما يسميه هؤلاء «جهوزية الشارع» للانتشار في أكثر من منطقة من لبنان، من غير أن تكون ساحة الشهداء أولها بالضرورة.
تلك هي خلاصة أمس. ليس لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري، المحاور الدائم وصلة الوصل الوحيدة الحائلة حتى الآن دون الانفجار، ما يقوله للغالبية الحاكمة، سوى العودة إلى ما كان قد اتفق عليه سابقاً. وهو يعتبر أن المبادرة لدى الفريق الآخر. ولم يتلقّ أمس اتصالاً من أحد من أفرقائها، ولم تصله أفكار جديدة. في المقابل، يرى أن الأيام المقبلة فاصلة، اعتقاداً منه أن الوضع الداخلي «لا يحتمل تأجيلاً وتضييعاً للوقت خمسة أيام حتى». في بساطة، لا يكتم قلقه. ويخشى أن يسبق الانفجار موقف المجلس من مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وكانت دوائر رئاسة الجمهورية قد تسلّمت البارحة من درّاج تابع لرئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون المحكمة الدولية الذي كان مجلس الوزراء أقرّه السبت الفائت (25 تشرين الثاني) بإجماع الوزراء الحاضرين. وبحسب أوساط وثيقة الصلة بالرئيس إميل لحود، لم يكن من الممكن إلا أن تتسلّم دوائر قصر بعبدا مشروع القانون لئلا تقول الغالبية الحاكمة إن أحداً لم يكن في القصر حتى يتسلّمه، وتستنتج من ثمّ أن الرئاسة الأولى شاغرة. لكن رئيس الجمهورية قرّر التزام الصمت من الآن حتى انقضاء مهلة الـ15 يوماً المنصوص عليها في المادة 56 من الدستور. لن يعلّق على المشروع، ولن يعلّل رأيه فيه، ولن يردّه أو يرفضه فوراً. وإذا ظل معتصماً بحبل الصمت ــ وهو الذي درج على الكلام اليومي ــ لن يكون موقفه من مشروع المحكمة الدولية قبل الإثنين 11 كانون الأول المقبل. وإذذاك يدلي بموقفه السلبي من مشروع أقرته حكومة يعتبرها لحود غير دستورية.
وتكمن المشكلة في واقع الحال في موقف الرئيس، المعروف إلى حدّ بعيد: لا يستطيع إعلان موقفه الآن تفادياً لتقصير المهلة المنصوص عليها في المادة 56، ولا في وسعه حصر موقفه برفض المشروع لئلا يُستَشمّ طعنه فيه لا في المرجعية التي انبثق منها، أي مجلس الوزراء، بينما له مآخذ قانونية عليه، ويصدر في رأيه عن مرجعية تتسم بصفة باطلة. كما أن رفض رئيس الجمهورية المشروع في 11 كانون الأول سيحمل مجلس الوزراء على الالتئام مجدّداً للإصرار عليه واعتباره نافذاً ونشره من دون توقيع رئيس الجمهورية بعد انقضاء 15 يوماً أخرى. وإذذاك يكون العقد العادي الثاني شارف على نهايته في 31 كانون الأول. الأمر الذي سيحمل الغالبية على توقيع عريضة تطلب إلى رئيس الجمهورية إصدار مرسوم بفتح عقد استثنائي للمجلس بموجب المادة 33.
ولأن لحود لن يوقّع مشروع المحكمة الدولية، سيعتبره مجلس الوزراء نافذاً ووجب نشره. وإذذاك تنشره رئاسة مجلس الوزراء في ملحق عدد خاص في الجريدة الرسمية على أنه صادر، تبعاً للأصول الدستورية، عن مجلس الوزراء. وسيُناط هذه المرّة أيضاً بدرّاج يحمله إلى رئيس المجلس لأخذ العلم به ودعوة الهيئة العامة للمجلس إلى الانعقاد لمناقشته والمصادقة على إجازة إبرام قانون المحكمة الدولية.
في الحلقة الجديدة تكمن عقدة إضافية، هي توقيع بري إحالة المشروع على المجلس، وسط مواقف مغامرة لأفرقاء في الغالبية تقول تارة بأن نائب رئيس المجلس يحلّ محل رئيس المجلس إذا تردّد الأخير في دعوة الهيئة العامة إلى الانعقاد، وتقول طوراً بأن المجلس قد ينعقد في مكان آخر خارج مبنى البرلمان حيث تتيقّن الغالبية من إمكان الوصول إليه لإمرار المشروع.
ردّ فعل رئيس المجلس على هاتين الفكرتين: «ليفعلوا ذلك. يريحونني من الأمر».
لكن الأمر ليس بمثل بساطة مغامرة الأفكار تلك.
بعد تجاهل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة استقالة وزراء طائفة رئيسية من السلطة التنفيذية، هي جزء لا يتجزأ من المثالثة من ضمن المناصفة، وتبسيط مقاربة الاستقالة على أن الوزراء متغيّبون ليس إلا، يأتي التعرّض لصلاحيات رئيس المجلس الذي هو ممثل الطائفة نفسها، والاجتهاد في تجاوزها وتجاهله في الوقت نفسه، ليضع الجميع على فوهة بركان.
ماذا يعني ذلك كله لرئيس المجلس؟
يقول بري لـ«الأخبار»: «عندما يصل مرسوم إحالة مشروع القانون إلى المجلس يسمع حامله الجواب. إذا التزم المشروع الأصول الدستورية المتبعة في مراسيم الإحالة، أي موقعاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير المختص الذي هو وزير العدل، أحيله فوراً على اللجان المختصة لمناقشته، ومن ثمّ على الهيئة العامة للمجلس. وعندئذ لن أتوقف عند موقفي من الحكومة التي أعتبرها غير دستورية وكرّرت ذلك، وأترك للهيئة العامة أن تقرّر دستورية الحكومة والمشروع معاً. مع تأكيدي أن الأمر لا يتعلق بموقفي من المحكمة الدولية التي أؤيدها على نحو مطلق. أنا الذي قلت بأن تكون، وأن تكون مختلطة، وأن يكون مقرّها لبنان حتى، وأن تكون على غرار المحكمة الدولية التي خبرتها سيراليون. ولأن في وسعي تجاوز موقفي من عدم دستورية الحكومة الحالية، إذا راعت الأصول الدستورية في الإحالة، لا تزال لجنة الإدارة والعدل تعمل، ولا أزال أحيل عليها مشاريع قوانين من الحكومة التي أعتبرها غير دستورية».
وأضاف: «أي إحالة لا تحمل توقيع رئيس الجمهورية تكون تفتقر إلى الأصول الدستورية. وموقفي هذا ليس الأول. ثمة عشرات مشاريع القوانين رددتها في مجلس النواب إلى الحكومة بسبب نقصها توقيع الوزير المختص. وفي إحدى جلسات المجلس طلبت إلى أحد الوزراء أن يوقّع فوراً مرسوماً بمشروع يتعلق بوزارته كان قد فاته أن يمهره، تفادياً لإهدار الوقت، وكاد يفعل لولا تبيّن أن الأمر غير جائز قانوناً، ويقتضي تالياً استعادة مرسوم الإحالة لتوقيعه في رئاسة مجلس الوزراء وإعادته مجدّداً إلى مجلس النواب. هذه حالات وزراء، فكيف الأمر مع رئيس الجمهورية؟. ألمسألة ليست في أنهم مع الرئيس أم لا، بل في ضرورة اتباع الأصول الدستورية للإحالة وعدم إيجاد سوابق تصبح بمرور الوقت عبئاً ثقيلاً على الدستور وسبباً لمشكلات متزايدة. إذا كانوا لا يريدون رئيس الجمهورية، فليتفقوا على آخر».