أنطون الخوري حرب
قبل استشهاد بيار الجميل بساعات، كان الكلام العلني في صفوف «فريق 14 آذار» على وشك الخروج الى الإعلام. إذ إن الخلل الحاصل في بنية فريق السلطة كان أكبر من تحمّل الأزمات التي جعلت «المستقلين» داخل الأكثرية وقوداً في معارك غيرهم، التي لا مصلحة ولا دور لهم فيها، كما أن معظمها لا يعنيهم. وهم يطلقون الانتقادات لما يسمونه احتكار قلة من أركان «فريق البريستول» للقرارات والتفاوضات.
وقبل اغتيال وزير الصناعة كشف أحد أعضاء هذا الفريق ان اجتماعاً ضمّه وبعض زملائه، لبحث كلمتي السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون تمهيداً للتحرك الشعبي المعارض في حينه، وانتهى الى التخوف من عدم وجود رؤية أو خطة حكومية واضحة المعالم والنتائج، إذ إن معظم أعضاء فريق الأكثرية يتبلغون الخطوات السياسية والموقف المطلوب منهم السير فيه، من خلال قيادات الصف الثاني في التجمعات والأحزاب التي يرأسها القادة الكبار، كالنائب وليد جنبلاط في شكل أساسي، ومن بعده النائب سعد الحريري، أما بقية الأعضاء في الصف الثاني والثالث فلا يحق لهم المشاركة في المفاوضات السرية المكثفة في هذه الفترة أو الاطلاع عليها، فهم يتبلغون مواقف زملائهم «الكبار» من وسائل الإعلام، وإذا ما سأل أحدهم عن السبب قوبل سؤاله بالاستهجان والانزعاج، لأن الوضع السياسي يتطلب الكثير من السرية في بحث المسائل العالقة. لكن العضو «البريستولي» يستطرد إلى اعتبار هذه الحجة كاذبة، «لأنني كل مرة كانوا يسكتونني بهذا السبب، ثم يتبين لي أن أفرقاء المعارضة يطّلعون على مضمون النقاط السرية المطروحة، قبل الوزراء «البريستوليين» في الحكومة». ويروي أيضاً أن المواقف التي صدرت عن الأكثرية إبان العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، «لم يكن يستشيرنا أحد في شأنها أو يسأل اذا كنا نوافق عليها. ونحن كنا نعترض على معظمها من دون مستجيب»، وهذا الأمر ينسحب على جلسات التشاور وقضية الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في التفاوض حول المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الاتحاد الوطني، إضافة الى القرارات المتعلقة بالتشكيلات القضائية والديبلوماسية. وأخيراً موقف المعارضة من التصلب الحكومي بعد استقالة الوزراء الستة.
ويتساءل العضو الأكثري: «كيف سنستمر في الحكومة الحالية ونحن نقصي طائفتين أساسيتين عن المشاركة فيها؟ ولماذا يصرون على جعل المسيحيين يشعرون بأن الذمية مستمرة في حقهم، بعدما مارسها عليهم غازي كنعان في السابق ويمارسها عليهم وليد جنبلاط اليوم؟ لقد حذّرناهم من عدم التوقف عن دفع المسيحيين الى الكفر بالدولة، لأنهم كانوا في ما مضى يحمّلون مسؤولية ضرب النموذجية السياسية للسوري، لكنهم اليوم يتذكرون مواقف كمال جنبلاط التي كانت تبشرهم بالقضاء عليهم كقوة موجودة، بالتحالف مع أقطاب الطائفة السنية في لبنان. وإني أعتقد انهم يفضّلون التقسيم الكامل أو التحالف مع الشيطان كي لا ينتصر عليهم كمال جنبلاط اليوم». وينتقل العضو الأكثري الى الحديث عن دور الرئيس فؤاد السنيورة واصفاً إياه بـ«الزوج المخدوع»، إذ إن معظم القرارات التي تصدر عنه إنما يعلنها من دون أن تكون له أية مشاركة فيها، «فهو موظف جيد لكنه رجل دولة سيئ، وسعد الحريري يتجاوزه في كل شيء، حتى في أبسط الأمور. فهو مثلاً يوقّع أوامر خدمات لأنصاره الى الوزراء المعنيين من «فريق البريستول» وكأنه هو الرئيس الفعلي للحكومة، وهذه هي الحقيقة».
ويخلص الوزير «البريستولي» الى الاستنتاج أن «البلد ذاهب الى الخراب في ظل قيادة الحكومة الحالية»، معلناً اتفاقه مع بعض زملائه على «القيام بخطوة نوعية لإنقاذ البلاد من التدهور، وإلاّ فإنهم لن يستمرّوا في تحمل مسؤولية ما ستؤول إليه أوضاع البلاد. فالكيان مهدّد والبلاد تسير إلى اللحاق بركب موجة «الفوضى الخلاقة» في المنطقة، لذلك فإن حماية الوطن تتطلب رجال دولة أكفاء لا رجال قبائل يجهلون ما ينتظرهم ولا يدركون أنهم سيكونون كلهم في نهاية الأمر مهزومين، ما دامت فكرة الدولة ستكون مهزومة. رحم الله الرئيس فؤاد شهاب!».