صيدا - خالد الغربيعكار - ابراهيم طعمة

كان إمام أحد مساجد مدينة صيدا يقدّم مطالعة سياسية في الوضع اللبناني من زاوية مذهبية لا تخلو من التحريض، داعياً الى التوحد لأن «طائفتنا تتعرض لهجوم من محور إقليمي»، عندما وقف شباب وسط المصلين طالبين الإذن بالكلام، ولما لم يعطوا الإذن، بادروا الشيخ بالقول «يا مولانا، الفتنة أشد من القتل، وتذكّر أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وبالقدر الذي نحرص فيه على كشف حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري نحرص أيضا علىً أن نبقى طائفة العروبة وندافع عن المقاومة ضد المشروع الأميركي. وبالمناسبة، لماذا لا تتحدثون عن هموم الناس وأوضاعهم الحياتية؟»، قبل أن يبادر هؤلاء بمغادرة المسجد.
هذه صورة من النقاش الذي تشهده صيدا حالياً والذي لم يعد محصوراً داخل الصالونات السياسية، بل خرج الى الشارع، الذي يعطيه تنوعه وعدم احتكاره من طرف واحد ديناميكية وحيوية مغايرة لكثير من الشوارع اللبنانية.
«لا نريد فصل المدينة عن عمقها الجنوبي»، يقول أحمد نحولي مستوقفاً النائب أسامة سعد خلال جولته على المدينة الصناعية، ومردفاً بالقول: «صيدا لعبت في السابق دوراً جامعاً فلا تفقدوها هذا الدورالوطني»، فيما طلب آخر من سعد «من موقعك المؤيد للمقاومة لفت نظر من يعنيهم الأمر في تلفزيون المنار بعدم النزول الى مستوى بعض الفضائيات ووسائل الإعلام، وأن يتنبّهوا الى بعض المفردات المستخدمة التي تحمل نفحة مذهبية تضر بموقع المقاومة ولا سيما خلال التطرق الى ما يحصل في العراق والأحداث فيه، إذ تبدو مفردات المنار أقرب الى الانحياز المذهبي» على حد قوله مؤكداً أن مطلبه «ينطلق من الحرص».
وتشهد مدينة صيدا اجتماعات مكثفة لكل القوى فيها، اذ يسعى كل فريق الى استمزاج الرأي وشرح وجهة نظره مع الحرص على ضرورة بقاء المدينة موحدة الموقف، وأن لا تنعكس الأجواء المشحونة والانقسامات الحادة التي يشهدها لبنان على واقعها، على رغم إدراك الجميع أن وحدة المدينة لا تعني على الإطلاق إلغاء الخلاف في وجهات النظر، لأنه ليس مطلوباً تحت عنوان «وحدة المدينة» أن يكون الناس «نسخة طبق الأصل» بعضهم عن بعض، بل المهم «التنوع والمحافظة على إدارة الصراع وديموقراطيته»، على حد قول الناشط السياسي الصيداوي محمد كرجيه.
التوتر المذهبي يكاد ينسحب على كل المناطق. وقد عكس البيان «الفتوى» الذي أصدره أول من أمس الأمين العام لمدارس الهداية النموذجية في عكار الشيخ عبد الرزاق مسعود الزعبي، والذي حرّم بموجبه «الدم الشيعي»، حجم هذا التوتر ودرجة استفحاله.
ورأى الزعبي في بيانه غير المسبوق حتى اليوم، أقله في الشمال، أنّ «القتل حرام في كل الشرائع، وأنّ الآدمي بنيان الربّ، ملعون من يهدمه. وأنّ حرمة الدم الشيعي كحرمة الدم السنّي لا فرق، فالجميع مسلم من أهل القبلة، معصوم الدم والمال والعرض. وأنّ حرمة الدم المسيحي، وكل لبناني هي كذلك دون نقصان».
ورأى الزعبي في بيانه الذي حمل عنوان «هذا بيان للناس»، أنّ لا خيار لإخراج البلاد من «النفق المظلم الذي وصلت إليه، سوى حلّ المجلس النيابي، وحلّ مجلس الوزراء، وتأليف حكومة عسكرية أمنية ونظيفة، وإعلان حالة الطوارئ».
وشدّد الزعبي على «تأليف حكومة إنقاذ بسرعة قصوى، قطعاً للطريق على كل من يريد بالبلاد والعباد شراً، وقبل استفحال المشكلة ووصولها الى طريق مسدود يتمثل برفض رئيس المجلس النيابي دعوة المجلس إلى إقرار المحكمة والتصديق عليها، وعدم تصديقها من رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، مما يفقد المحكمة دستوريتها وشرعيتها، وعندئذ تقع الواقعة، ولات ساعة مندم، فنكون بذلك قد أسأنا إلى الرجل الكبير الذي قُتل مظلوماً، ويكون أيضاً قد قتل مرتين، والقتل الثاني أفظع بكثير، إذ فيه قتلٌ للوطن كله الذي كان يحلم به رفيق الحريري».