strong>عادت بلدة الغجر، لتحتل الصدارة، في النزاع اللبناني ــ الإسرائيلي، في أعقاب احتلال الجيش الإسرائيلي لها مجدداً خلال العدوان الأخير. وكانت إسرائيل قد أعلنت انسحابها «الكامل»من جنوب لبنان فجر الأحد الماضي، لكنّها
أبقت على احتلالها لبلدة الغجر

أجرى الجيش الإسرائيلي بعد عدوان 12 تمّوز تحصينات في بلدة الغجر، ومدّ أسلاكاً شائكة جديدة حولها من الجهة اللبنانية. وأطاح بذلك التسوية «الإنسانية ــ الاجتماعية» التي رعتها الأمم المتحدة خلال ترسيم الخط الأزرق. وكان تمّ الاتفاق وقتها على أنّ هذه القرية التي كانت سورية، تمدّدت إلى الأراضي اللبنانية بعد حرب عام 1967، فأصبح ثلثها الجنوبي في الأراضي السورية المحتلة التابعة لمنطقة الجولان، فيما الثلثان الآخران الشماليان يقعان ضمن الأراضي اللبنانية.
لكنّ التحصينات الإسرائيلية الجديدة جاءت لتؤكّد فصل بلدة الغجر عن لبنان، من خلال سياج شائك وخندق حفرته جرافات الجيش الإسرائيلي، بعمق مترين وعرض مماثل. وأحاطت «الجهة» اللبنانية من الغجر بسواتر، منعاً لأي «تسلل» أو عبور من الجهة اللبنانية إلى داخل البلدة. وأقيمت حفرة كبيرة خارج السياج، على الطريق التي توصل الحدود الشمالية للبلدة بجارتها العباسبة، فقطعتهاوتداركاً لأيّ أزمة جديدة بين لبنان وإسرائيل، دخلت الأمم المتحدة على خطّ الأزمة، وهي تدرك مدى التمدّد الإسرائيلي الجديد في الغجر وإطاحته للتسوية المرعية من قبل الأمم المتحدة.
فأعلنت عبر قائد قوات «اليونيفيل» الجنرال الفرنسي آلان بيلّيغريني أن «اليونيفيل ستتثبّت من الانسحاب الإسرائيلي، بالتفتيش على طول الخطّ الأزرق للتأكّد من عدم وجود أيّ اختراقات وانتهاكات من الجانب الإسرائيلي».
وأشار بيلّيغريني إلى «أنّ تقدّماً بارزاً حصل بانسحاب قوات الدفاع الإسرائيلية من الجنوب، ما عدا المنطقة المحيطة بقرية الغجر». وأبدى توقّعه أن يغادر الإسرائيليون «هذه المنطقة في بحر الأسبوع التزاماً للقرار 1701».
والجدير بالذكر أنّ لبنان الرسميّ ما زال متحفّظاً عن ترسيم الخطّ الأزرق المنفّذ في أعقاب الانسحاب الإسرائيليّ في أيّار عام 2000، بسبب بقاء العديد من النقاط «المحتلّة» عالقة من دون حلّ، فضلاً عن النزاع الدائر على مزارع شبعا،
والحديث عن قرية الغجر، المعروفة أصلاً بـ«غاجر»، بدأ مطلع شهر حزيران الذي تلا شهر التحرير في أيار عام 2000، بعدما دخلتها دورية للقوة الدولية لبحث احتمال تقسيمها شطرين. وكانت إسرائيل قد احتلتها من سوريا مع هضبة الجولان منذ عام 1967. فوقع الخبر على أهلها وقع الصاعقة بعدما علموا به من صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية الصادرة يوم الاثنين بتاريخ 29/05/2000تمّ ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة عام 1923 في اتفاق عرف باسم «بوليه نيو كومب»، جعل الحدود بعيدة نحو ثلاثة كيلومترات عن نهر الحاصباني، وبالتالي نهر الوزاني الذي يوفر سنوياً 53 مليون متر مكعب من المياه تصب في الحاصباني. وبعد اتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل، أعاد فريقان لبناني وإسرائيلي إحياء ترسيم عام 1923 بإشراف الأمم المتحدة، واتّفقا على الترسيم النهائي في 12 كانون الأول عام 1949 الذي يؤكد أن الحدود بعيدة عن نبع الوزاني نحو ثلاثة كيلومترات.
وتشكل قرية الغجر مع قرية النخيلة المجاورة لها، التي احتلتها إسرائيل عام 1967، جزءاً من مزارع شبعا، وتقع بالتالي داخل الأراضي اللبنانية بحسب الترسيم الحدودي الرسمي. إن الحدود بين لبنان وسوريا في هذه المنطقة يجب أن تكون على بعد 2800 متر شرقي نهر الحاصباني. وإن العلامة الحدودية الرقم 39 بحسب الترسيم الرسمي، التي تعتبر نقطة التقاء الحدود بين لبنان وفلسطين وسوريا، تقع على بعد نحو ثلاثمئة متر غرب بانياس السورية، وهذا يعني أن الغجر والنخيلة مع مزارع شبعا التي تقع أكثر شمالاً، وهي داخل الحدود اللبنانية.
نشرت سوريا قواتها الأمنية في الغجر والنخيلة ومزارع شبعا، وخصوصاً خلال الستينيات، فاحتلتها إسرائيل عام 1967 مع احتلال هضبة الجولان.
ومنذ ترسيم الخط الأزرق وتسوية الأمم المتحدة، وحتى عشية العدوان الإسرائيلي في 12 تموز 2006، أقام حزب الله موقعاً ملاصقاً للأسلاك الشائكة المحيطة بالبلدة، من الناحية اللبنانية.
وأقام أيضاً نقطة أمنية وعسكرية كانت منطلقاً لعملية كبيرة شبيهة بتلك التي سبقت عدوان تموز، في 21 تشرين الثاني 2005، كانت مهمتها خطف جنود إسرائيليين ولم توفّق كثيراً.
لكن تلقت خلالها بلدة الغجر، ولا سيما المواقع الإسرائيلية فيها، ضربة نارية «موجعة» من «المقاومة الإسلامية»، دمرت العديد من المواقع الإسرائيلية المطلة على الجهة اللبنانية. وردّت إسرائيل بقصف القرى الجنوبية الحدودية، من منطقة العرقوب وحتى بلدة الخيام. وأغارت طائراتها الحربية على عدد من الطرق والمواقع ودمرت جسر عين عرب. توقف الردّ بعد نحو ساعتين، وسارعت الأمم المتحدة إلى إدانة العملية واعتبرتها خرقاً لوقف النار، فيما علّل حزب الله الأمر «بأنّ مقاوميه هاجموا المنطقة اللبنانية المحتلة في قرية الغجر، ما يندرج في إطار الرد على العدوان والاحتلال وهو حق مشروع للمقاومة».


أبيض ورمادي
من يقف في بلدة الوزّاني اللبنانية، جارة الغجر من الناحية الغربية والجنوبية الغربية، والتي يفصل بينها وبين الغجر نهر الوزاني، يتوه في المشاهد العمرانية الجميلة التي تنتصب في محيط لم يُرَ فيه من الجهة اللبنانية غير الدمار وانعدام البنى والخدمات. فالمنازل القديمة والحديثة المنظمة طليت في مجملها باللونين الأبيض والرمادي، وطغى الأزرق الأقرب إلى الفيروزي أبوابها وشبابيكها وأسوارها الحديد. وتتوزع بيوتها على مساحات من مربعات متقاطعة تفصل بينها طرقات منفرجة توافرت فيها مختلف البنى التحتيّة وشبكات المياه وعدّاداتها والكهرباء والهاتف ومستوعبات النفايات وأكوام الحطب لمؤونة الشتاء، حتى يمكن القول إنها قرية نموذجية.
تبلغ مساحة القرية ضعفَيْ ما كانت عليه قبل نحو ثمانين عاماً عند ترسيم الحدود الدولية عام 1923. ويبلغ عدد سكانها حالياً ما يزيد على ألفي نسمة ينتمون إلى الطائفة العلوية، ويحملون حالياً الجنسية الإسرائيلية.


تسوية الغجر
تم تحييد عملية فصل بلدة الغجر، إلى قسمين، بتسوية بين لبنان والأمم المتحدة، إذ إن ثلثي أرضها لبنانيّين، يملكهما أبناء الغجر، بعدما بنوا عليهما بيوتاً في أعقاب عدوان 1967. والخط ضمنهما، لبنانياً وسورياً سابقاً، متفق عليه وليس متحفظاً عليه. وجرى تفاهم لبناني دولي حولها يقضي بألّا تدخل إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية منها، فتكون بحكم المحررة، ولا يطالب لبنان بفصل المحرّر عن المحتلّ لنواحٍ إنسانية، ولا يقطع عنها مياه الوزاني التي ترويها، لحقّها في شرب المياه منه. ولكي ينفذ التفاهم، أقامت الأمم المتحدة نقطتي مراقبة فيها. واعتُبِرَت محرّرة من المحتلّ على ألّا تدخلها الدولة اللبنانية بأجهزتها الرسمية، وخصوصاً أن جنسية أهلها ليست لبنانية، ولا شأن لهم مع الدوائر الرسمية اللبنانية. وظلت من خلال هذه التسوية تخضع لشبه احتلال واقعي، نظراً لتبعية السكان في المناطق المحررة منها للإدارة المدنية القائمة في الغجر «المحتلة»، من مختار ورئيس بلدية ومالية وغيرها، التي تدير شؤون أهلها جميعاً.