تعدّ «التعمير» منطقة شعبية تقطنها الطبقات «المعدومة» من الناس. وهي تستمدّ تسميتها من اسم «مصلحة التعمير الوطنية» التي تحولت في ما بعد الى وزارة الإسكان، والتي شرعت في حينه في بناء وحدات سكنية شعبية، بعد الزلزال الذي ضرب لبنان عام 1957. كان نصيب مدينة صيدا آنذاك نحو ثلاثة آلاف وحدة سكنية، موزّعة على «ضهر المير» و«التعمير» و«الفيلات». وماإن تم الانتهاء من تشييدها في منتصف الستينيات، حتى تم توزيع بعضها بشكل رسمي، بينما زحفت بعض الأسر الصيداوية الفقيرة لـ«التمركز» في بعضها الآخر، ووضع اليد عليها، من دون التنسيق مع السلطات اللبنانية. ويتردد أن هذا الزحف جاء بعدما شعر نائب المدينة، آنذاك، الشهيد معروف سعد، بأنّ تحايلاً ما ومحسوبيات وتمليكاً لغير الصيداويين سيحصل. فأوعز لهذه الأسر بالتوجه الى أخذ الوحدات السكنية المشيّدة عنوة، لتتعاطى بعدها السلطات اللبنانية مع شاغلي هذه الوحدات كأمر واقع وكمالكين لها، وإن كانت لا تتوافر، حتى تاريخه، سندات تمليك رسمية.يسكن في التعمير «التحتاني»، أي الناحية المتوترة أمنياً باستمرار، ما يزيد على أربعة آلاف مواطن، جلّهم من الصيداويين، في نطاق لا يتعدى ستّمئة متر مربع، مع حضور لافت وأساسي للعائلات الصيداوية الشيعية، وهو ما يفتح المزدوجين أمام الحوادث التي تسعى إليها منظمات أصولية سنية، بهدف خلق توترات مذهبية، يرفضها بالمطلق أبناء المنطقة.
وتشكّل العمالة في المهن الصعبة والمتعلّقة بالبحر مصدرين أساسيّين لدخل الأهالي. وقد لا يتعدّى متوسّط دخل ربّ الأسرة منهم 350 ألف ليرة لبنانية. وبمجرّد ولوج «مطلع» الحي، تبدو مظاهر البؤس والحرمان، وعدم اهتمام الدولة اللبنانية، الغائبة أصلاً، حتى تنموياً، منذ أكثر من أربعين عاماً. فلا بنى تحتية، ولا مجار للصرف الصحي؛ إذ تتحول الطرقات والمنازل السفلية خلال الشتاء إلى برك ومستنقعات، فيما تتداخل الأسلاك الكهربائية، بعضها ببعض، مشكّلة خطراً على حياة السكان. وتنذر أكوام النفايات المتراكمة في الأزقّة بخطر محدق على الصحة وتفشّي الأمراض والأوبئة.