الصرفند ــ أمل خليل
رغم بداية العام الدراسي، لا يزال مديرا مدرستي الصرفند الثانوية والمتوسطة الرسميّتين يسجّلان طلاباً جدداً حتى زاد عدد الوافدين من البلدة والجوار إلى المدرستين بشكل قياسي انعكاساً للظروف الأخيرة. و لكن هل يعلم الأهالي أن مكباً هائلاً للنفايات لا يبعد عن صفوف أبنائهم سوى عشرات الأمتار؟ أحد الأهالي يؤكد أن الجميع يعرف أو أقله يشم رائحة الحريق، وأنّهم يضطرون دائماً إلى تعطيل الدروس والعودة إلى بيوتهم بسبب كثافة الدخان في الأجواء بعد احتراق النفايات، ولا سيما أن المكب كان يكبر بالتزامن مع ازدياد عدد الطلاب.
تكتسب الصرفند أهمية خاصة، إذ تعد أكبر بلدات قضاء الزهراني ومركزاً طبياً وصناعياً وتجارياً للمنطقة. فالبلدة التي يبلغ تعداد سكانها نحو عشرين ألفاً موزعين على حوالى أربعة آلاف وحدة سكنية، تنتج يومياً أكثر من عشرة أطنان من النفايات المنزلية والصناعية ونفايات المسالخ. إضافة إلى نفايات مستشفيين كبيرين وعشرات من العيادات والمستوصفات والمختبرات والصيدليات، كلها تجد مكاناً لها في المكب القائم في خراج البلدة. ومخاطر هذا المكب متنوعة تشمل تلوّث التربة إذ يقع المكب بين أراض زراعية؛ وتلوث المياه الجوفية التي تستعمل للشرب لأن “مياه الدولة” لم تصل إلى البلدة بعد، إضافة إلى تلوّث الهواء.
وإن لم تحترق النفايات تلقائياً نتيجة احتقان غاز “الميثان” فيها، فإن البعض يحرقها عمداً، إما لتقليص حجمها وإما لفرز الزجاج والحديد منها. وما يساعد هؤلاء الأشخاص أنه لا رقابة على المكب حيث يمكن لأي أحد أن يرمي أي نوع من النفايات في أي وقت.
والاحتراق المتكرر للبلاستيك والإطارات القديمة وبقايا الحيوانات و“الأعضاء البشرية” وغيرها ينتج غاز “الديوكسين” القاتل ويبثّ غازات سامة ومعادن ثقيلة في الهواء تضرب أجهزة المناعة والأعصاب والتنفس. وتردّ الإحصائيات الطبية في البلدة النسب العالية لأمراض السرطان والقلب والموت المفاجئ بين السكان إلى انعكاسات هذا المكب.
اتحدت هيئات المجتمع المدني في الصرفند والجوار لوضع خطة عمل لمعالجة مشكلة المكب، من جهة، وتوعية المواطنين من جهة أخرى. ويشرح رئيس جمعية «شعاع البيئة» المهندس سليم خليفة المشاريع التي قدمت للبلدية لإنشاء مصنع لإعادة تصنيع النفايات بجوار المكب، مع توافر الجهة المموّلة بشرط تقديم الأرض، إلا أن البلدية رفضتها. كما قام متطوعون بحملات التوعية لتلامذة المدارس وللأهالي في منازلهم، على فرز النفايات من المصدر، بين عضوية وغير عضوية، وترشيدهم على إعادة استعمالها والاستفادة منها، وطلبوا إلى البلدية تأمين أكياس خاصة للفرز لكل وحدة سكنية بكلفة بسيطة، وهذا ما رفض كذلك.
وإذا كان الأمر خطيراً إلى هذا الحد والحلول متوافرة ومرفوضة، فما البديل الذي اعتمدته البلدية، وخصوصاً أن ثلث أعضائها أطباء، ومن بينهم رئيسها؟ رئيس لجنة البيئة في البلدية الدكتور محمد يونس برّر رفض البلدية للمشاريع المقدمة بأنها «لا تريد أن تكبّد الأهالي رسوماً إضافية»، علماً بأن البلدية ذاتها ألزمت منذ بداية حزيران الماضي شركة NTCC التي تجمع نفايات صيدا بجمع نفايات الصرفند ونقلها إلى المكب ذاته وبجهد عمال من بلدية الصرفند. وكان جمع النفايات في السابق يكلّف الصندوق البلدي 70 مليون ليرة، أما اليوم فإن البلدية تدفع للشركة 144 مليون ليرة.