جورج شاهين
على الرغم من الإصرار الدولي على حصر أي تفسير للقرار 1701 بمرجعية مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تحديداً، تواصلت المحاولات لدى اكثر من طرف لتفسير بعض بنوده، أو إضافة أخرى لا يتضمنها. وفي هذا الإطار جاء التصريح الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية بشأن البحث في «إدارة المجال الجوي اللبناني» ليلقي الضوء على محاولة سقطت مثيلاتها في أوقات سابقة.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الاخبار» إن هذه الأفكار ليست بريئة ــ وان لم يكن الهدف من إعادة طرحها هو فقط استدراج التدخل الدولي إلى أقصى الحدود ليتحول وصاية جديدة على لبنان لا تحدّها خطوط حمر سيادية ولا محرمات ــ بل إنها محاولة لاستحضار أفكار سابقة لإدارة المجال الجوي اللبناني قبيل الانسحاب الاسرائيلي في نيسان 2000، وبعد أيام من العدوان الإسرائيلي الأخير على هامش بدء البحث في وقف النار.
ماذا جرى في هاتين المحاولتين؟
تكشف المصادر المطلعة لـ«الأخبار» أن موفد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن طرح مطلع 2000 على رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في أحد لقاءات القصر الجمهوري ــ وهو كان يقصده قبل أي موقع آخر ــ نظرية تقول إنه حيال الانسحاب الاسرائيلي المنتظر من الجنوب، لا بدّ من تدارك ردود الفعل السلبية للمقاومة اللبنانية إزاء المتعاونين مع قوات الاحتلال الاسرائيلي ولا سيما المسيحيون منهم، واقترح في حينه «صيغة أمنية تقول بطلب قوات فرنسية لحماية القرى المسيحية، وأخرى إيطالية أو بريطانية لحماية القرى الشيعية، لمنع أي عمليات انتقامية، مشكّكاً في الجيش اللبناني وفي قدرته على ضبط الوضع في المنطقة». وأضاف «لا بد عندها من تأمين غطاء جوّي لهذه القوى» مبدياً استعداد الأمم المتحدة للبحث مع الفرنسيين في وضع حاملة طائرات فرنسية بتصرفها».
وفي المعلومات أن لحود طلب يومها من لارسن «ألا يبحث في مثل هذا المشروع مرة أخرى، قبل الاطلاع على تاريخ لبنان». وأضاف: «إن هذا المشروع يوجد فتنة داخلية، فاللبنانيون يدرسون في كتب التاريخ مرحلة الانتداب على لبنان، ويكرهون أن يعيد التاريخ نفسه، كما يكرهون المرحلة التي كانت فيها كل دولة تحمي طائفة».
وأكّد لحود يومها للارسن «لينسحب الاسرائيليون ونحن نتدبر الأمر، وأنا موقن من أن المقاومة وقيادتها حريصتان اكثر من أي طرف آخر، وأكثر من أي وقت مضى، على الوحدة الوطنية».
وهكذا سقط الاقتراح في حينه قبل أن تتداوله الألسن والمعلومات، وكان ما كان، وانسحب الاسرائيليون في 25 أيار، وجيّرت المقاومة الانتصار إلى كل لبنان.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فبعد أيام على بدء العدوان، ما بين 19 و21 تموز تحديداً، أعيد في إحدى جلسات مجلس الوزراء الاستثنائية طرح فكرة الدعم الجوي لقوات متعددة الجنسية أو من حلف شمالي الأطلسي، وكشف احد وزراء الاكثرية في حينه استعداد فرنسا لوضع إحدى حاملات طائراتها «جان دارك» في تصرف هذه القوة وإدارة المجال الجوي اللبناني.
وتدخّل الرئيس لحود يومها محذّراً من مثل هذه الأفكار، واستذكر أحداث تشرين الأول 1983عندما استهدفت قوات المظليين الفرنسيين من فرقة «دراكار» في «استاد دوشايلا» وقوات «المارينز» في مبنى الطيران المدني ضمن حرم مطار بيروت الدولي، لأن القوة المتعددة الجنسية احضرت الى لبنان بدون موافقة لبنانية شاملة.
وهكذا، وللمرة الثانية، سقطت الفكرة وجاء القرار 1701 ليعزز القوات الدولية وليطوي المشاريع الأخرى.
وبالاستناد الى ما تقدم، تتساءل المصادر لماذا إعادة طرح الموضوع اليوم؟ وهل الأمر يتصل بتسليم لبنان كله إلى الإدارة الدولية برّاً وجوّاً بالتزامن مع تسلّم الألمان أمس قيادة القوة البحرية؟ وهل لهذا المشروع، إذا قدّر له أن يقوم، بقيادة جوية مستقلة عن الناقورة، سيمهّد لنشر قوات دولية على الحدود اللبنانية ــ السورية؟ وهل هذه الخطوة اسهل من إقناع اسرائيل بتطبيق القرار 1701؟ وهل هناك في لبنان من يظن أنه قادر على تحويل القوات الدولية قوة امن داخلي يمكن التصرف بها واستدراجها الى التفاصيل المحلية؟!.