بسام القنطار
دأب «مركز التنمية والتخطيط» على العمل لتجميع زيت القلي المستخدم في المطاعم والفنادق ومراكز التصنيع الغذائية، بهدف تحويله إلى «ديزيل حيوي» يُستخدم طاقة بديلة. لكن يبدو أنّ زيت القلي يدوّر أيضاً لأسباب أخرى في لبنان
تؤكد التقارير الصحية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ومراكز البحوث الصحية الأضرار الجسيمة للزيت المقلي إذا لم يُستعمل بالطريقة السليمة وللغرض المناسب، إضافة إلى أن كثرة استخدامه تسبّب تداعيات مرضية فائقة الخطورة. ومن المعلوم أن اللبنانيين يستخدمون الزيت النباتي مكثفاً لأغراض متعددة، منها الطبخ والقلي وتصنيع العديد من المنتجات الغذائية كالعجائن وغيرها. والمفجع في الأمر أن استخدامات الزيت المقلي في مختلف الصناعات الغذائية والمطاعم لا تخضع في لبنان للرقابة الرسمية لكي يتأكد عدم الإفراط في تكرار استعمال الزيت المقلي.
وتعدّ شبكات الصرف الصحي المكان الأكثر استخداماً لرمي الزيت المقلي بعد الاستعمال المنزلي. ويسبّب ذلك تخثر المجارير وانسدادها، إضافة لمشاكل بيئية أخرى. أمّا في المطاعم والصناعات الغذائية، فلا يبدو الوضع أفضل، حيث أظهر مشروع “الطاقة البيئية” الذي ينفّذه مركز التنمية والتخطيط، أن إعادة تدوير الزيت المقلي الناتج من الاستخدامات غير المنزلية يؤدي إلى فضائح على المستوى الصحي.
يستخدم مشروع “الطاقة البيئية” طريقة عالمية لتحويل الزيت المقلي إلى طاقة بديلة تسمى “الديزل الحيوي” (Biodiesel) بعد تجميع الزيت المقلي من مختلف مصادر الاستهلاك. والديزل الحيوي هو طاقة بديلة أقل تلويثاً من المازوت النفطي المستخدم حالياً على نطاق واسع في عربات الشحن والنقل، وفي المولّدات الكهربائية وفي أعمال التدفئة المركزية والمدافئ الشتوية في المناطق الجبلية. وينتمي الديزل الحيوي إلى باقة متنوعة من مصادر الطاقة المتجددة، منها الطاقة الحيوية، والكهرباء الحرارية الشمسية وطاقة الكتلة العضوية، والغاز الحيوي (Biogas)، والتبريد الشمسي والتسخين وحفظ الطاقة. وجميع هذه المصادر لا تزال خارج نطاق البحث الجدي لاستخدامها في لبنان، ولا تكلف الدولة نفسها عناء وضع استراتيجيات استخدام الطاقة البديلة ودراسات الجدوى الاقتصادية والتقنية.
وتكشف الدراسة التي أجراها مركز التنمية والتخطيط، أن الزيت المقلي في لبنان يُعاد تدويره واستخدامه عبر “إبداعات لبنانية” خطيرة وملوثة وقاتلة في بعض الأحيان. فقد تبين عبر تجربة تجميع الزيت عدم تناسب حجم إنتاجية الزيت المقلي مع حركة المطاعم اللبنانية، ومردّ ذلك أن غالبية المطاعم اللبنانية (بما في ذلك الفاخرة منها) تفرط في الاستخدام المتكرر للزيت المقلي قبل التخلص منه. والذي يزيد من خطورة الأمر أن قلي الغذاء وهو مجمد أو مبلل أو مملّح، يؤكسده بسرعة، إضافة إلى أنّ قلّة من المطاعم تعمد إلى تصفية الزيت لإزالة فتات الغذاء المقلي، فيما تستخدم غالبيتها الزيت مرات عدّة من دون الانتباه إلى تغيّر لونه ورائحته. ويندر في لبنان استخدام كواشف لإظهار نتائج فورية لصلاحية الزيت عبر فحص عينات منه أثناء عملية القلي.
وبرغم توسيع المركز حملة تجميع الزيت المقلي، لم يتمكن مشروع “الطاقة البيئية” من إنتاج أكثر من 40 طناً من الديزل الحيوي شهرياً، الأمر الذي يؤكد ذهاب كميات هائلة من زيت القلي في لبنان لاستخدامات أخرى أمكن جمع بعضها على النحو الآتي: خلطه مع علف الدجاج كمركب غذائي (وهذا يعني إمكان دخول مواد مؤكسدة ومسرطنة إلى البيض). تكرير الزيت وإعادة بيعه سلعة جديدة في العديد من المصانع، وهو ما يسبب خطراً جدياً على الصحة العامة. خلطه مع زيت المحركات الرخيصة الثمن (ثمن الكيلوغرام 1500 ليرة لبنانية)، الأمر الذي ينتج أعمال احتراق باعثة لمواد عالية السمّية ومسرطنة. خلطه في صناعة الصابون، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج نوعية رديئة من الصابون المسبب للحساسية. خلطه مع المازوت، وهو ما يسبّب اختلالاً ميكانيكياً للمحرّكات. وأخيراً، خلطه مع الزفت ومواد منع النش بدل المواد الأصلية المستخدمة في هذه الصناعات.