عمر نشابة
يتطلب عمل الشرطة وأجهزة الأمن الداخلي منهجية علمية دقيقة طالما أغفلت في عالمنا العربي، حيث تُعَد المؤسسات الأمنية الآلية العسكرية المخوّلة حفظ الأمن بالقوة. ووسيلتا الشرطة الأهمّ هما قوة السلاح وحجز الحرية. وتغيب البرامج الاجتماعية والاقتصادية والنفسية عن مؤسسات الشرطة، كما تفتقد الدراسات العلمية التي تساعد على كشف دوافع الجريمة وأنماطها وسياقها العام. وتفتقد المؤسسات الأمنية آلية مستقلّة لتقويم أدائها وفعاليتها وتحديد حاجاتها العملية من خبرات وتجهيزات. ويطغى الطابع العسكري الحربي على عمل الشرطة من خلال هيكلية تفرض على عناصر الشرطة تنفيذ الأوامر مثلما ينفذها عناصر المؤسسة العسكرية. لا بل إن تجهيز الشرطة في لبنان كأنما سترسل عناصرها للقتال على الجبهات الخارجية، إذ يرتدي عناصر قوى الأمن الداخلي في لبنان زياً مموهاً وجزمات عسكرية ويحملون بنادق حربية ومدفعية رشاشة متوسطة ويستخدمون السيارات ذات الدفع الرباعي وناقلات جند ميدانية. أما المخافر فلا فرق كبير بينها وبين مفارز المخابرات العسكرية ومكاتب ضباط الجيش. والسجون والنظارات التي تتولّى قوى الأمن إدارتها لفترة انتقالية (تمدّد عاماً بعد عاماً منذ عشرات السنين) فتدار بالترغيب والترهيب لغياب خبرة ومعرفة العناصر والضباط للمنهجية العلمية الفعّالة في إدارة السجون وأماكن التوقيف.
تظهر تجارب الدول المتقدمة أن العمل الأمني الناجح يعتمد على العقل والمعرفة، لا على القوّة العسكرية فقط، لكن غالبية ضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي يؤمنون بعكس ذلك. فقوة السلاح، ربما لأن البعض منهم يعتقد أن أسلوب القمع هو الأسهل. ولكنه فاشل في أغلب الحالات. فمعالجة جرائم السرقة والنشل مثلاً تتطلّب تحديداً علمياً لأسباب تصاعد هذا النوع من الجرائم في لبنان حتى يعمل على إزالة الدوافع الجرمية. ولا تعالج المشكلة بزيادة الدوريات العسكرية في الشوارع أو بوضع كاميرات مراقبة في كلّ زاوية. فلا تستطيع الشرطة، مهما زادت قدراتها البشرية والتقنية، أن تراقب كلّ شبر من الأراضي اللبنانية ليلاً ونهاراً.
يحدّد قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي (القانون 17) مهامها بحفظ النظام وتوطيد الأمن وتأمين الراحة العامة وحماية الأشخاص والممتلكات وحماية الحريات في إطار القانون والسهر على تطبيق القوانين. كيف يقوم ضباط وعناصر قوى الأمن بهذه الواجبات؟ وهل الأساليب التي يستخدمونها فعّالة؟