طرابلس - صفوح منجد
خلال سنوات الحرب في لبنان وما تبعها، نشأت ظاهرة أفران المناقيش تعبيراً عن انخفاض القدرة الشرائية عند اللبناني وتفضيله المنقوشة كوجبة غذائية “كاملة الدسم”، صباحاً ومساءً أو في أية ساعة من النهار، ولكن الظاهرة الأكثر شيوعاً في مختلف المدن اللبنانية وتحديداً في الأحياء والحاراتالشعبية في طرابلس، هي انتشار المقاهي الشعبية تعبيراً عن حالة البطالة التي تعانيها فئات شعبية وخاصة الشبان، وهي لا تتطلب سوى حنفية ماء وأداة تسخين وكمية من الفناجين والاقداح ومجموعة من الأراكيل وأحد أصناف “المعسّل” وأوراق اللعب (الشدة) الى جانب بضع طاولات وكراسٍ بلاستيكية لانطلاق “العمل” الذي يبدأ منذ فترة ما بعد الظهر الى ساعات الفجر الاولى.
ولكن ظاهرة “التسلية” هذه سرعان ما تحولت الى “مقار” لافتعال شتى أنواع المضايقات ونشوء النزاعات بين الرواد وغالبيتهم من الصبية والشبان، لينقلب المقهى الشعبي على مدار الساعة “قنبلةً” موقوتةً تنفجر جراء عصبية محلية أو خلاف سياسي تعصّباً لهذا “الزعيم” او ذاك، وما يزيد من حدة هذه المشاحنات ان “المتخاصمين”
من رواد هذه المقاهي لا يكتفون بتبادل الشتائم والسباب، ولكن سرعان ما تتفاعل الامور، فمن التضارب الى اللكمات والتراشق بالكراسي الى استخدام السكاكين والشفرات وأمواس الحلاقة، واذا وصل الخلاف الى الاهل فالاحتكام هو الى السلاح.
هذه النزاعات يؤكدها العديد من المستشفيات في المدينة، التي تستقبل يومياً، وخاصة خلال ساعات المساء، عدداً لا بأس به من الجرحى وغالبيتهم من الشبان، وتشير التقارير الصادرة عن الجهات الامنية، ان هذه الحوادث قد تضاعفت في الآونة الاخيرة وتتركز بصورة خاصة في مناطق التبانة والقبة والاحياء القديمة وابي سمرا، ولا تقتصر على منطقة دون سواها، حتى انها امتدت الى الوسط التجاري والاحياء الحديثة في المدينة التي بدأت تشهد نمواً كبيراً وخطيراً لهذه الحوادث الدامية.
وتؤكد المصادر الامنية تسيير العديد من الدوريات الراجلة والمؤللة في شوارع ومناطق طرابلس للحد من موجات العنف هذه، وللتدخل عند اللزوم لقمعها ووضع حد لعدم توسعها وتفاعلها على الصعيد الشعبي والأهلي.
وتشير دراسات قام بإعدادها الأستاذان في معهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية في الشمال د. مها كيال ود. عاطف عطية استندت الى “عينات” من أهالي الاحياء الشعبية ولا سيما التبانة، إلى ان الاسباب الاساسية التي تدفع الشبان في هذه المناطق الى العنف، تكمن في البطالة أولاً، وانعدام وجود وسائل تسلية نافعة ينصرف إليها شبان هذه المناطق لتمضية ساعات الفراغ حيث تصل البطالة الى حدود 47 في المئة، واقتصار الانتماء الى ناد أو جمعية رياضية على 2 في المئة، وبلوغ مستوى الامية 32.1 في المئة الى جانب 21.7 في المئة هي نسبة التسرب من المدرسة قبل انتهاء المرحلة الابتدائية.