حسن عليق
بعد إلقاء القنابل على مبنى العسيلي نهاية الأسبوع الماضي، عاد موضوع تثبيت كاميرات مراقبة إلى الواجهة في لبنان. لا قانون لتنظيم المراقبة بواسطة الكاميرات يضمن عدم المساس بالحرية الفردية، ولم يجر البحث في مثل هذا القانون، بعكس التنصت الذي نـُظِّم بواسطة القانون 140 الصادر عام 1999. ما مدى فاعلية هذا المشروع ومن يضمن حقوق المواطن؟

في روايته «1984» تحدث الكاتب البريطاني جورج أورويل عن دولة ذات نظام شمولي تراقب مواطنيها بدقة، صوتاً وصورة، وتتدخل حتى في أحلامهم. تستعاد رواية أورويل تحت اسم «الاخ الأكبر» في كل حالات المراقبة اللصيقة للمواطنين.
في لبنان، بدأ استخدام كاميرات المراقبة بكثافة حول مباني السفارات، ومن بعض الشركات الخاصة. بعد التفجيرات التي تعرض لها لبنان في المرحلة السابقة، بدأ التداول في ضرورة تركيب كاميرات مراقبة في شوارع العاصمة بيروت من أجل المساعدة على كشف الفاعلين في تفجيرات مستقبلية، أو في محاولة لمنع حدوثها. بعد الجهوم الأخير بالقنابل على مبنى العسيلي في ساحة رياض الصلح، عاد الحديث عن تثبيت كاميرات مراقبة في بيروت، وسيناقش مجلس الوزراء المشروع في جلسة اليوم. لكن لا قانون في لبنان ينظّم الاستفادة من المعلومات المستقاة من خلال المراقبة الالكترونية، ويوضح الحدود بين الدواعي الأمنية والتعدي على الحرية الفردية للمواطنين التي يكفلها الدستور اللبناني. ومن جهة أخرى، أكد مصدر قضائي لـ «الأخبار» أن القانون لا يمنع استخدام كاميرات المراقبة التي تثبَّت على المباني والمؤسسات التجارية والمصارف وبعض المؤسسات الرسمية، وأضاف أن هذا الأمر يبقى مسموحاً ما دام لا يمس بالحرية الفردية للمواطن والتي كفلها الدستور.
مبدأ الحرية الفردية كان علّة الحكم القضائي، الصادر عن محكمة الاستئناف في بيروت بتاريخ 13/7/2006، والذي نص على إزالة كاميرات مراقبة وضعتها شركة خاصة في مدخل مبنى رفع أحد قاطنيه دعوى امام القضاء وربحها.
في بريطانيا نظام مراقبة بالكاميرات متطور جداً، يساهم القطاع الخاص في جزء مهم منه. الكاميرات التابعة للشرطة تكون فقط في الاماكن التي لا وجود فيها لكاميرات تابعة لمؤسسات خاصة، وهذا الامر يؤدي إلى تخفيف الكلفة المادية والبشرية لنظام المراقبة.
وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية جان أوغاسابيان، قال لـ«الاخبار» إنه كلِّف من مجلس الوزراء بإعداد دراسة لمشروع تركيب كاميرات مراقبة في مدينة بيروت. وأضاف أن إقرار تثبيت كاميرات في بيروت «لا يحتاج إلى قانون لتنظيمه بما يخص الحرية الفردية لكون الكاميرات المنوي تثبيتها ستكون في الشارع وهو مكان عام، وبالتالي ليس هناك ما يتعارض والحرية الفردية أثناء المراقبة في أماكن عامة». ولفت إلى ضرورة أن يكون عمل نظام المراقبة تحت إشراف جهة واحدة وفي مركز موحّد. من جهة أخرى، نفى أوغاسابيان إمكان إدخال كاميرات خاصة ضمن هذا المشروع، أو أن يكون مشروع النقل الحضري المتعلق بمراقبة زحمة السير ومخالفة الاشارات المرورية جزءاً من مشروع المراقبة.
من ناحية أخرى، ذكر مصدر أمني رفيع لـ«الأخبار»، أن المراقبة بواسطة الكاميرات هي جزء بسيط من حل المشكلات الأمنية في لبنان، مضيفاً أن الحل يجب أن يكون عبر «خطة أساسها الامن الوقائي والسياسي والاجتماعي والثقافي». ويؤكّد المصدر أن المراقبة لها فائدة كبرى في مجال توسيع آفاق التحقيقات وتحصيل معلومات تدخل في المجال الاستخباري، لكن معالجة الخروق الأمنية «تبدأ بتنمية الثقة بين المؤسسة الأمنية والمواطن، ثم تأهيل رجل الأمن». أما الإجراءات التقنية والأمنية «فتأتي في الدرجة الثانية». يذكر المصدر أن مشروع المراقبة لا يمكن أن يردع انتحارياً عن تفجير نفسه، لكنه يساهم في معرفة هويته بعد التفجير. يضيف أن مشروع المراقبة «تكتنفه عدة أسئلة تنبغي الاجابة عليها، منها: لمن ستذهب الصور؟ من يضمن أن المعلومات لا يمكن تسريبها لجهات خارجية يعدّها الجهاز المكلف العمل على الموضوع جهات صديقة؟ هل هناك جهات استخبارية خارجية عجزت عن الحصول على بعض المعلومات من الحدود ومن الداخل فجرى التركيز على موضوعي الربط الالكتروني والمراقبة بالكاميرات؟ من يراقب الجهة المخولة مراقبة الناس؟».
في ظل غياب قانون ينظم العمل بالمراقبة، من يضمن عدم تحويل كاميرات المراقبة إلى متدخل في تحركات وتفاصيل حياة الناس، وعدم تحويل المعلومات والصور إلى سيف اجتماعي وسياسي مصلط على رقاب المواطنين في بلد شديد الحساسية؟