عكار ـــ ابراهيم طعمة
يعيش مزارعو الزيتون في عكار حالة من التناقض بين الفرحة بغزارة الموسم والقلق حول مصير الإنتاج المميز هذا العام كمّاً ونوعاً. وكما هو حال سائر الأزمات الزراعية في البلاد، فإن خصوصية شجرة الزيتون ومنزلتها عند المواطنين وارتباطها بالعقائد الدينية، تجعل المزراعين يتشبثون بها حتى في أحلك الظروف التي تمر بها هذه الزراعة الى درجة أن المزارع يكتفي بإنتاج مؤونته السنوية للاستهلاك المنزلي، ولا يفرّط بها مهما تقلبت الظروف.
وفي دراسة أعدتها سابقاً نقابة مزارعي الأشجار المثمرة والغابات في الشمال، تبيّن أن المعدل الوسطي لإنتاج هكتار الزيتون في الشمال يبلغ ألفي كيلوغرام، ومعدل عدد الأشجار في الهكتار الواحد يبلغ مئتي شجرة تنتج الواحدة ما معدله عشرة كيلوغرامات. وقدرت الدراسة الإنتاج السنوي العام في الشمال بـ52 ألف طن كمعدل وسطي يحتسب 25% منها زيتوناً أخضر للسفرة أي بحدود 13 ألف طن والباقي يعصر لإنتاج الزيت وكميته 39 الف طن، وينتج كل 60 كيلوغرام من الحب 15 كلغ من الزيت ليصبح متوسط انتاج الزيت في الشمال 9954000كلغ او 663000 تنكة.
وتقدّر دراسة أخرى مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في عكار بحوالى ستة آلاف هكتار تحوي ما يقرب من مليون شجرة تنتج معدلاً وسطياً يقدّر بحوالى 25 الف طن من الزيتون تعطي 350000 تنكة زيت سنوياً كمعدل وسطي. وتشير هذه الدراسة الى أن مشكلة تصريف إنتاج الزيت هي نفسها التي يعانيها مزارعو الحمضيات، بحيث إن كلفة إنتاج تنكة الزيت تصل في الغالب الى ما بين 40 ـــ 50 ألف ليرة لبنانية. وهذا يشكل في بعض الأحيان ثلاثة أضعاف كلفة الإنتاج في عدد من الدول المجاورة.
هذه الحالة تجعل تصريف إنتاج الزيت اللبناني في الأسواق الخارجية صعباً للغاية بسب ضعف قدرته التنافسية من جهة، وجودته من جهة أخرى الى عوامل عدة شرحها للأخبار الناشط الزراعي المهندس مروان سابا لافتاً الى وفرة موسم الزيتون هذا العام في لبنان والبلدان المجاورة وخاصة سوريا والأردن وتركيا، ويقول: "إن هذه الحالة تطرح على بساط البحث مشكلة تصريف الإنتاج اللبناني إن في السوق الداخلية أو في الأسواق الخارجية، ويمكن حصر هذه الإشكالية بعدم قدرة الإنتاج اللبناني على منافسة الأسواق الأخرى، نظراً لارتفاع كلفته بما يقارب ثلاثين في المئة عن باقي البلدان المنتجة".
يعزو سابا هذا الارتفاع الكبير الى غياب اليد العاملة (السورية خصوصاً) لجني المواسم، وارتفاع أسعار المحروقات، والعدة اللازمة من مدات وأقفاص والخزانات الحديدية والبلاستيكية، وارتفاع كلفة العصر والفلاحة وأعمال الرش والنقل التي تتأثر أيضاً بارتفاع أسعار المحروقات ....
ويرى سابا ضرورة تحرك الدولة سريعاً لمعالجة الأزمة كما فعلت عام 2004 عندما اشترت مواسم الزيت لصالح القوات المسلحة، مما أدى الى إفراغ الأسواق من هذه المادة، وارتفاع أسعارها حيث سدت الكمية المتبقية لدى المزارعين حاجة السوق المحلية عام 2005 الذي شهد قلة ملحوظة في الإنتاج، وقد وصل سعر جملة تنكة الزيت في هذا العام الى مابين 75 ـــ 80 دولاراً.
كما ساهمت مؤسسات وبرامج محلية ودولية بتسويق كميات من الزيت في الأسواق العالمية مما أدى الى التعريف بالزيت اللبناني وجودته وبات مرغوباً في السوق العالمية.
ويرى أن الحل الجذري للأزمة يكمن في سلسلة إجراءات تتطلب وقتاً وزمناً مثل إدخال المكننة في عملية القطاف، التي تخفف من كلفة اليد العاملة غير المتوافرة بنسبة 30%، وهذه العملية يتم التحضير لها بتكثيف الإرشاد الزراعي لجهة اعتماد أسلوب في التقليم يؤهل الشجرة للقطاف الآلي، الى حماية الإنتاج المحلي من خلال وضع روزنامة زراعية تمنع استيراد الزيوت الأجنبية قبل نفاد الزيت الوطني من جهة، ومن جهة اخرى اعتماد مراقبة صارمة لمنع الغش بخلط الزيت المحلي بزيوت أخرى للحفاظ على جودته وسمعته.