طارق ترشيشي
فيما اقتربت “الهدنة الرمضانية” من ربعها الأخير، علت النبرة السياسية إيذاناً باقتراب عملية “تصفية الحساب” بين مرحلة بدأت إثر وقوع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وبين مرحلة أخرى بدأت في 14 آب الماضي إثر العدوان الاسرائيلي.
وعلى وقع الخروق اليومية التي تتعرض لها هذه الهدنة التي كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله رأى فيها فترة لـ“التأمل”، تقف البلاد أمام ثلاثة سيناريوهات:
ــ الاول، المتقدم على ما عداه، هو دخول البلاد في معركة فاصلة على الحكومة بين معارضة تريد حكومة وحدة وطنية وأكثرية متمسكة ببقاء الحكومة الحالية ومستفيدة من ضغوط اميركية تفترض أن المحكمة ذات الطابع الدولي ستكون واسعة الصلاحيات وغير مقتصرة فقط على هذه الجريمة في حد ذاتها، لأنها تريد من خلالها، عبر الضغط، إقرار نظام تتعامل بموجبه مع الجريمة على اساس أنها “جريمة ضد الانسانية” وهو ما يجعل مروحة الاتهام واسعة وغير محكومة بعامل الزمن، أو على اساس أنها جريمة إرهابية فيما الارهاب ليس له تعريف محدد في القانون الدولي حتى الآن. على أن الاكثرية تشارك الولايات المتحدة هذا التوجه وتستعمله وتهدد المعارضة به لكي تستمر في حكم البلاد والتصرف بشؤونها بغض النظر عن حجم تمثيلها الشعبي.
واللافت في هذا السياق، أن الأكثرية تتهم المعارضة بأنها تريد تغيير الحكومة لـ“تطيير” المحكمة الدولية، فيما الدلائل تشير الى أنها تصرّ على التفرد بالحكم وعدم القبول بتأليف حكومة وحدة وطنية لتمرير إنشاء محكمة دولية ليست غايتها فقط محاكمة قتلة الحريري بل الثأر من جميع خصومها السياسيين. ويقال إنه إذا أصرّت واشنطن والاكثرية على محكمة بهذه المواصفات، فإن المعارضة ستجد نفسها على الارجح امام خيار العمل على إسقاط الحكومة حتى لو تطلب الامر ستقالة وزراء وتحركاً شعبياً يصل إلى حدود العصيان المدني.
ــ السيناريو الثاني يقول بالتفتيش عن حل لبناني يشمل رئاسة الجمهورية والحكومة وصولاً الى قانون الانتخاب والانتخابات. وهو حل يفترض أن يكون متوازناً ويقوم على قاعدة الحفاظ على حقوق الجميع وأدوارهم، وهو يحتاج الى دعم سعودي وعربي وربما اوروبي، إلا أن دونه عقبات منها:
ــ أوّلاً، إنه يحتاج الى إنضاج ولا يكفي وجود رغبات فقط.
ــ ثانياً، إن الولايات المتحدة لن تجيز لحلفائها إنجاز هذا الحل لأنه يقيم لبنان المتوازن الحافظ لقواه الداخلية ولدوره الاقليمي والدولي.
ــ ثالثاً، شخص الرئيس العتيد، حيث تصرّ المعارضة على ترشيح العماد ميشال عون، بينما هذا الحل يتطلب انتخاب رئيس لا يكون منتمياً الى “14 آذار” ولا الى “8 آذار”. لكنه يصبح ممكناً ومجازاً في فترة غير بعيدة على قاعدة أرجحية رئاسة عون بسبب التطور السلبي للوضع الاميركي في العراق والتعاطي بطريقة مختلفة مع الوضعين اللبناني والفلسطيني.
ــ أما السيناريو الثالث، فهو ذلك الذي يمكن أن يضطرّ رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى طرحه، وهو تعديل الحكومة الحالية تحت شعار احتواء الانفجار قبل حصوله، ثم البناء على هذا التعديل للوصول الى الحل الذي يرضي الجميع، ويقول إننا في حاجة للعودة الى الحوار الذي كانت غايتنا الاساسية منه احتواء التوتر ومعالجة القضايا الوطنية المختلف عليها على الطاولة لا عبر حوار الساحات.
وفي أي حال فإن الجميع أكثريةً و معارضةً ينتظرون «العيدية» التي وعد بها الرئيس بري وتساورهم تكهنات متناقضة حول طبيعتها وهي تبدأ بـ «تعديل» للحكومة ولا تنتهي بـ «توقع» معاودة الحوار ولو بصيغ ثنائية أو ثلاثية أو بلا نصاب كامل كانت تحفل به أروقة ساحة النجمة . مع العلم أن البعض يعتقد أن الظروف الموضوعية لاستئناف هذا الحوار بصيغته السابقة ليست متوافرة حتى إشعار آخر.