عرفات حجازي
مع عودة الرئيس نبيه بري من جنيف، عادت الحركة السياسية إلى خط عين التينة. إذ باشر بري اتصالاته مع الرئيس فؤاد السنيورة للاطلاع على صورة الموقف الذي تشكّل أثناء غيابه، وبدا مهتماً كخطوة أولى بالمحافظة على أجواء التهدئة في الخطاب السياسي استعداداً لمواجهة احتمالات المرحلة المقبلة، من دون أن تقلقه أجواء الإثارة والجدل التي يعتمد بعضهم إشاعتها بهدف دفعه الى الإحباط والتراجع. ويؤكد بري أمام زواره تمسكه بجهوده لإعادة الاعتبار الى الحوار حتى إنقاذ البلد. كما لا يخفي خشيته من استمرار انسداد الأفق السياسي بحيث يصبح اللجوء الى خطر الشارع أمراً محتملاً.
ولا يرى رئيس المجلس مبرراً للاستنفار على خلفية تغيير الوضع الحكومي. فهو يدعو الى وجوب التفاهم مسبقاً على حكومة الوحدة الوطنية أشخاصاً وبرنامجاً لأن الكل يحرص على تفادي الوقوع في الفراغ ورمي البلد في المجهول.
لكن بري يعترف بأنه لا يملك العصا السحرية للحل وأن يداً واحدة لا تصفق. وأنه إذا ما استمرت ظروف الحوار وإمكاناته معطّلة، فلن يكون باستطاعته ولا باستطاعة سواه التحكم في الاتجاه الذي ستسلكه الأزمة. وتأسيساً على قراءته لمجمل الوضع، يدعو الى إعطاء الأولوية لعودة الثقة بين أطراف الحوار وإعادة قنوات التواصل الى العمل. وهو قطع شوطاً بعيداً في هذا الاتجاه، ويأمل أن ينفتح الحوار بينهم على كل العناوين والمخاوف والمآخذ مع إصرار على التفاهم وابتداع صيغة حل تشعر الكل بأنه غير خاسر في تسوية.
الرئيس بري الذي فتح باب التكهنات حول مضمون عيديته وحول مضمون مؤتمره الصحافي الأربعاء المقبل، يقول لسائليه: “حتى الآن لا أعرف ماذا خلف الغلاف الذي اخترته من ألوان الساحة السياسية. كل ما يمكنني أن أقوله إن العيدية ستريح الناس وستشيع أجواء من الارتياح وبأن الأمور ماضية نحو الحلحلة، وهناك ورشة نقاش ستبدأ قريباً لإيجاد المخارج للأزمة القائمة”.
ويرى الرئيس بري أن باب التغيير السياسي لم يقفل وأن الفرص ستتاح لاستيعاب قوى سياسية أساسية في مشروع إعادة بناء الوطن وإشراك كل المكونات السياسية في اتخاذ القرارات الكبرى.
ويكمل مصدر دبلوماسي عربي في بيروت، معنيّ بما يجري، أن بري لديه خبرة كبيرة لوضع مخارج وتسويات، وهو يحظى بثقة المسؤولين العرب المعنيين بالشأن اللبناني. ويلفت الدبلوماسي العربي الى وجود جهد عربي ودولي مشترك لإنهاء الصراعات السياسية التي يخشى أن تولد توترات أمنية تضع القرار 1701 في مهب الريح. ويكشف عن نصائح عربية ودولية أسديت الى فريق 14 آذار للتعاطي بمرونة وانفتاح مع بعض مطالب المعارضة، وأن هذا الفريق تجاوب مع فكرة توسيع مروحة التمثيل السياسي في الحكومة وضم ممثلين عن تيار العماد ميشال عون إليها. كما أبدى انفتاحاً على النقاش في تأليف حكومة وحدة وطنية. لكن الدبلوماسي يرى أن العقدة سببها إصرار الأقلية على امتلاك الثلث المعطل واعتبار هذا الأمر موقفاً استراتيجياً لا مجرد تفصيل في اللعبة السياسية، يقابله إصرار من الأكثرية بالتمسك بالثلثين في أي تغيير حكومي. وينتهي الدبلوماسي العربي الى القول إن طرفي المواجهة في مأزق، ويدركان أن أحداً ليس باستطاعته إلغاء الآخر أو إجباره على الخضوع لشروطه، ومن الأفضل للفريقين أن يدخلا الحوار بأفق مفتوح بدل السجال والمناكفة في طريق مسدود.