جورج شاهين
“لم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان” عبارة اختصر بها احد المراقبين مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري بالدعوة الى “طاولة المشاورات المستديرة” منذ اعلن عن “العيدية” التي طال انتظارها، والتي أشاعت اجواء من البلبلة والحذر في بعض الأوساط السياسية والحزبية، والكثير من اجواء المفاجأة لدى اوساط أخرى، في وقت كان فيه من الصعب احتساب الفرز الذي تسببت فيه والذي لا يمكن احتسابه على قياس فريقي 14 آذار او 8 آذار أو ما بينهما.
بالتأكيد، تقول المصادر لـ“الأخبار” ان ما كان في ذهن بري قد تبدل كثيراً منذ الإعلان عن العيدية التي وعد بها، إثر لقائه رئيس الحكومة الإيطالية رومانو برودي وقبل زيارته للمملكة العربية السعودية، إذ جاءت المعطيات على الطريق لتبدل في الكثير من البنود، فتقلصت الى حد بعيد، وبات بعضها من سابع المستحيلات في ضوء الفرز الحاد الذي عبّرت عنه المواقف والتي باتت على قاب قوسين او ادنى من الفراق.
وتعترف المصادر المطلعة بأن ما كان ثابتاً في كل المبادرات الممكنة هو “اعفاء” الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من حضور اي من اللقاءات العلنية المقترحة في شكلها ومضمونها وتوقيتها.
وفي محاولة لاستقصاء ابرز ما كان مطروحاً من افكار ــ محلية غير اقليمية ــ في المحادثات التي أجراها بري في بيروت والرياض، وعلى هامش وجوده في جنيف وباريس وقبل عيد الفطر لتؤلف جدول اعمال الطاولة المستديرة المنتظرة، اثنان من السيناريوهات الأساسية لمحاولة الخروج من المأزق هما:
الأول دعا الى الإعداد لانتخابات رئاسية مبكرة يليها تغيير حكومي فوري، ثم وضع قانون جديد للانتخابات النيابية، فدعوة إلى إجرائها بعد تقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، وبذلك يكتمل التغيير الذي كان مطلوباً.
أما السيناريو الثاني فقضى بتأليف حكومة وفاق وطني تعمل سريعاً على وضع قانون جديد للانتخابات، فانتخابات نيابية مبكرة على اساسه، فرئاسية تنهي ولاية الرئيس لحود مهما كانت النتائج.
وفي ظل هذين السيناريوهين الأساسيين تشابكت مشاريع التعديلات والملاحظات، ففي الوقت الذي نوقش فيه السيناريو الأول، طرح مبدأ انتظار الرئيس المنتخب الى نهاية ولاية الرئيس الحالي العماد اميل لحود لتسلم مهماته، وقال آخرون بمبدأ التفاهم على “رئيس توافقي” يتوّج التوافق الضروري الذي يضمن العبور الآمن الى نهاية المراحل المقررة فيه.
وعند طرح السيناريو الثاني برز موضوع التفاهم على صفقة داخلية متكاملة تتضمن آلية معقدة للغاية، وبرعاية عربية ودولية ضرورية، الأمر الذي جعله ضرباً من المستحيل، في ظل التناقضات الداخلية وكثرة التدخلات الخارجية والمشاريع التي لا تلبّي مقتضيات “التفاهم الصعب”.
وعند هذا النقاش، الذي بدا من دون اي افق ايجابي، والذي دار عبر الكثير من القنوات السياسية والدبلوماسية التي شاركت فيها أطراف عربية منها السعودية ومصر، وأجنبية منها فرنسا وإيطاليا، تعثرت المشاريع كلها وبلغت الاتصالات حدود القطيعة، فلم تفلح المحاولات في ترتيب اي لقاء بين رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري والسيد حسن نصر الله، ولا بين نصر الله ووليد جنبلاط ــ رغم المبادرات الخجولة التي عملت على ترتيبه ــ، فيما كان مستحيلاً لجوء بري الى طاولة مستديرة للحوار “رقم 2” في الشكل والمستوى اللذين كانا قائمين بين أيار وحزيران الماضيين في ساحة النجمة.
وعلى هامش المقترحات المتناقضة الى الحدود التي استحالت معها كل الصيغ الوسطى، نما الشعور بأن ثمة إعداداً لخطوات تقود الى الشارع، وجرت قراءتها بوضوح في الاستعدادات التي تشهدها القواعد الحزبية في الجامعات والساحات، وعروض الشوارع تحت شعارات استذكار الشهداء أو نبش الماضي بما يحمله من تواريخ لأحداث كان فيها الانقسام على اشدّه بين أعداء الأمس ــ حلفاء اليوم.
وبالاستJناد الى ما تقدم، كثرت الأسئلة عما يمكن أن يفعله بري؟ وهل المطلوب منه معجزة، وقد جاهر دون عقدة بعجزه عنها وعن الأقل منها؟ وهل غيره يستطيع؟ ومن تراه يكون؟.