بيسان طي
اعترف الإسرائيليون أخيراً باستخدام الفوسفور الأبيض خلال العدوان الأخير على لبنان. إلا أنّ الأمر يتعدّى، على ما يبدو، مسألة الفوسفور ليطال أسلحة تتضمّن غاز الهيليوم.
إذ عُثر على هذا النوع الأخير من الأسلحة داخل منزل في بلدة حولا الجنوبية. وتُظهر الكتابات الموجودة عليه بأنّه أميركيّ الصنع


الساعة 8,25 مساء السبت 15 تموز الماضي، أي في اليوم الثالث للعدوان الاسرائيلي على لبنان، تعرض منزل نادر سليم في بلدة حولا الجنوبية لقصف أدى إلى استشهاد زوجته زينب حسن فقيه وشقيقته سلمى ابراهيم سليم، وجُرح هو وأشقاؤه وصديقهم معن سعد. شعر الجرحى، ومنهم علي سليم الذي لا يزال يتلقى العلاجات، بأن شيئاً ما في أجسادهم “يذوب”، وفق ما أكد نادر.
بعد انتهاء العدوان جمع نادر وجيرانه ما تبقى من بيته المهدم، ووقع على بقايا القنابل والأسلحة التي قُصف بها المنزل، وبينها قنبلة أو جزء من صاروخ صغير عليه كتابات واضحة بأنه يتضمن غاز هيليوم (Helium)، وبأن القوانين الفيدرالية الأميركية تمنع نقله أو إعادة تعبئته تحت طائلة الخضوع لعقوبة السجن خمس سنوات ودفع غرامة قيمتها 25 ألف دولار أميركي.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن 83 في المئة من الأسلحة الاسرائيلية أميركية الصنع، وفق ما قال عضو جمعية “الأميركيون المهتمون بسلام الشرق الأوسط” فرانكلين لامب.
السلاح الذي قُصف به منزل نادر سليم شكّل العنصر “المفتاح” الذي ارتكزت عليه “لجنة القانونيين الأميركيين” (american mission of jurists) في ملف أعدته لترفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس. وستقدم الدعوى خلال الأسبوع الأول من كانون الأول المقبل، وذلك لمحاكمتهم لقيامهم بجريمة حرب، وانتهاكهم نصوص معاهدات جنيف والقانون الدولي الإنساني. وتنسق اللجنة مع أبناء الجاليات اللبنانية لرفع دعاوي مماثلة على المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الاسبانية والبرازيلية والأرجنتينية المختصة.
هوغو رويز دياز، ممثل اللجنة لدى منظمة الأمم المتحدة، زار جنوب لبنان أخيراً “في زيارة رسمية للاستكشاف” مع وفد من رجال قانون ومهتمين بحقوق الإنسان من الولايات المتحدة ودول أوروبية. وخلال جولاته في القرى المدمرة، زار آل سليم ولفت نظره السلاح المستخدم ضدهم. وقال لـ“الأخبار”: “استغربت كثيراً ما قرأته عن هذا السلاح، ويعتبر استخدامه ضد مدنيين جريمة حرب وفق القانون الدولي، وذلك بغض النظر عن التركيبة الكيميائية للمواد الموجودة في السلاح”. من جهة ثانية، تدرس اللجنة الملف القانوني المتعلق بهذا السلاح وبالأسلحة الأميركية التي استخدمت خلال العدوان لتتقدم بشكوى أخرى أمام المحاكم الأميركية المختصة ضد الحكومة الأميركية ومن يظهره الملف مسؤولاً عن الصفقة التي أدت إلى نقل هذا السلاح الذي استخدم ضد مدنيين. فالكتابة الموجودة عليه تؤكد “هويته الأميركية” أو كما قال هوغو بأن “الحكومة الأميركية هي من أعطى هذا السلاح، وهي في الوقت عينه تجرّم استخدامه ونقله وتعبئته”.
وتقوم مجموعة من الخبراء العسكريين الأميركيين حالياً بدرس هذا السلاح لتتمكن اللجنة من الحصول على المعلومات الكافية لتضمّها إلى ملف يُعد لتقديم الشكوى ضد من يظهره الملف مسؤولاً عن بيع السلاح، وضد من صنّعه ومن وزعه، أكان هؤلاء أفراداً أو أشخاصاً معنويين.
وقال هوغو إن “مظهر الجرحى بدا لي غريباً عما نعرفه، لقد تعرضوا لمادة أثرها غير معروف بالنسبة إلينا، إنها حالة جديدة”. وانطلاقاً من هذا الأمر يعتقد هوغو بأن التركيبة الكاملة للمواد الموجودة في السلاح ليست مدونة عليه، لكنه قال في الوقت عينه إن اللجنة لم تأخذ بعد عينات من هذه الجروح، وقد تقوم بدرس ملفاتهم الطبية في وقت لاحق.
أما في ما يتعلق بمادة الهيليوم، وهو نوع من الغاز، فقد لفت القانوني الأميركي إلى أن استخدامها ضد مدنيين هو ما يشكل جريمة حرب. وإن مادة الفوسفور الأبيض ليست محرمة في الحروب، لكن استخدامها ضد المدنيين ممنوع في القانون الدولي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مواد حربية أخرى.
في كيس أبيض يُعبّأ عادة بحبات البطاطا، ترقد بقايا الأسلحة التي قتلت زوجة نادر سليم وشقيقته والتي احتفظ بها الزوج. فهو تخيّل فجأة أن ابنته الرضيعة زينب ستسأله عن أمها عندما تكبر. ولم يكن يعرف أنه يحتفظ بالدليل الذي قد يضع المسؤولين عن العدوان على لبنان أمام العدالة الدولية.