جان عزيز
هل يكون مصير جلسة الاثنين التشاورية، محكوماً بين حدّي التأجيل أو الإفراغ من المضمون؟
بهذا السؤال ـــ الخلاصة، يخرج المتابع لمرحلة الاتصالات التي يقوم بها أطراف الأكثرية، حيال مبادرة نبيه بري الأخيرة، تمهيداً للموقف الذي سيعلنونه في الساعات المقبلة، والذي قد يتأخر، على طريقة ربع الساعة الأخير. إلا أن أحد أركان «فريق 14 آذار» يعلن مسبّقاً أن الموقف المرتقب سيكون في عمقه، وبمعزل عن صيغته وصياغته، من نوع «لا قبول كاملاً، ولا رفض مطلقاً»،
ويشرح الركن نفسه أن حيثيات اللاءين معروفة، ففريق الأكثرية لا يمكنه رفض مبدأ الحوار، وإن في صيغة «التشاور»، كما لا يمكنه القبول بجدول الأعمال الذي حصره بري في بندي الحكومة وقانون الانتخابات. لذلك سيلتئم «فريق 14 آذار» في قريطم، ليعلن استعداده المبدئي للمشاركة، على قاعدة طلبه إعادة النظر في «أجندة» التشاور الجديد، لتضم بنوداً محددة أبرزها كيفية تطبيق القرار 1701 وجميع قرارات الشرعية الدولية الأخرى ذات الصلة، التمسك بالطائف نصاً وروحاً والبحث في استمهال تنفيذه، إقرار الإجراءات اللازمة لقيام المحكمة الدولية، متابعة البحث في «أزمة الحكم» التي خلص اليها حوار 2 آذار الماضي وكيفية الخروج منها في أسرع وقت، إضافة الى البنود الأخرى العالقة من الحوار، كما البنود المستجدة بنتيجة حرب 12 تموز وتداعياتها.
هل تعني هذه الأجندة الأكثرية تطيير جلسة الاثنين؟ يجيب الركن نفسه: «أساساً انخفاض مستوى التمثيل بات محتوماً. فالأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله سيغيب لدواعيه الأمنية، والرئيس أمين الجميل كما النائب وليد جنبلاط على سفر، وبالتالي فقد لا يكون من المستبعد أن ينتهي الموعد المحدد الى جلسة فنجان قهوة في أحد مقاهي ساحة النجمة».
ويغمز الركن نفسه من قناة بعض الحلفاء «الذين سارعوا فور إعلان بري مبادرته الى الإعراب عن تأييدهم لها، والقيام بزيارات الى بعض المرجعيات، من باب التسويق للخطوة». ملاحظاً أن هذا البعض يحاول استعادة صورة عام 1989 وبدايات اتفاق الطائف، وعملية «طبخ» رئيس جديد للجمهورية على قاعدة التفاهم السوري ـــ الأميركي ـــ السعودي. معتبراً أن بري حاول اللعب على هذه الخلفية، عبر زيارته الرياض وإعرابه عن تفاؤله بعدها، قاصداً الإيحاء الى بعض الداخل، بأن ثمة طبخة رئاسية محتملة، لعلّه بذلك يستدرّ بعض التهافت الاسترئاسي، وبالتالي بعض التفسخات داخل «فريق 14 آذار». لكن ما سها عن بال الجميع في هذا المجال، هو أن عام 2006 مغاير كلياً لما كان عليه عام 1989 لبنانياً وإقليميماً ودولياً. وقاعدة التفاهم الوحيدة الممكنة نظرياً لمثل هذه الطبخة، هي بين واشنطن ـــ الرياض ـــ طهران، وهو ما ليس متوافراً اليوم، لا بل يبدو هذا المثلث أقرب الى الصدام منه الى الاتفاق.
ويتابع الركن في «فريق 14 آذار»، أن هذه اللعبة يجيدها بري حتى الاحتراف، على عكس آخرين كثيرين، وهو نجح في التعمية على فشل زيارته الى السعودية، من باب نسج خيوط هذه المناورة. ففي الواقع والوقائع، يقول الركن نفسه، «تفيد المعلومات المتوافرة لدينا، بأن بري اصطحب معه الى السعودية أحد الموظفين لديه من الطائفة السنية، بداعي ضبط محاضر اجتماعاته، وهو ممن تطمئن الى «دقّتهم» السلطات السورية. وعلى وقع تلك الدقة في المحاضر قدّم بري في الرياض مرافعات مطولة دفاعاً عن دمشق ومواقفها الأخيرة، عبر تأويلات واجتهادات خاصة لمقولات بشار الأسد، من «أشباه الرجال» الى «العبد المأمور». غير أن سلته كانت فارغة، وخصوصاً أن الصد السعودي، ودائماً وفق الركن نفسه، ترافق مع عرقلة مستمرة لقيام المحكمة الدولية وتوترات شاملة، من الجنوب اللبناني الى المفاعلات الإيرانية».
ما الهدف من ذلك كله؟ يجيب الركن في «14 آذار»: «الصورة الكاملة باتت واضحة، وهي لا تعكسها بعض التفاصيل الصغيرة. ثمة فريقان في صراع بقاء. الأول، وهو «فريق 14 آذار»، ينتظر استكمال خطوات الشرعية الدولية حيال لبنان، من القرار 1701 حتى المحكمة الدولية، لإنجاز استعادة السيادة، وهو لذلك يدأب بكل ما أوتي من إمكانات على شراء الوقت حتى ذاك الأوان. وفريق ثان، هو فريق المعارضة، يسعى بكل قدراته الى الانقلاب على الوضع القائم قبل إنجاز تلك الخطوات الدولية المرتقبة.
ولذلك ـــ يتابع الركن نفسه ـــ قد لا يكون مستبعداً رفع وتيرة الإشكالات الأمنية في الساعات المقبلة، على طريقة توجيه الرسائل الساخنة إلينا: إمّا أن تحضروا الاثنين، وإمّا هذا هو النموذج لما سيكون عليه الوضع في الحال الأخرى».
«لقد دخلنا مرحلة التوتير الانقلابي الثالث والمعروف مسبقاً، في تاريخ لبنان، يجزم الركن نفسه. المرة الأولى عام 1960، يوم كان رئيس المكتب الثاني الشهابي، انطون سعد، على علم بالمحاولة الانقلابية القومية، لكنه تركها تمر، ليمسك بالبلاد ويقعد فؤاد شهاب في صربا، مطمئناً إياه «أنا أحميك وأحمي النظام». والمرة الثانية قام بها جميل السيد في 7 آب 2001، بعدما لبث يراقب مسلسل بيان المطارنة عام 2000 واستقبال البطريرك وقيام «لقاء قرنة شهوان» و«مصالحة الجبل»، ثم ضرب ضربته ليقول لإميل لحود وللسوريين معاً، «أنا وحدي القادر على الحكم وعلى حمايتكم». بينما اليوم ثمة من يحاول تكرار السيناريو نفسه للمرة الثالثة، في ظل إدراكنا الكامل أننا لا نستطيع الاتكال لا على أحمد فتفت ولا على ميشال سليمان».
في ظل هذه الصورة، ما المتوقع إذاً بعد يوم الاثنين، أو بعد الأسبوعين المقررين لمبادرة الاثنين، يكتفي الركن بالجواب: «الله يردّ الضربات».