إبراهيم الأمين
لم يكن أمام رئيس المجلس نبيه بري إلا الاستعانة بروايات شعبية لإفهام ضيوفه من 14 آذار حقيقة ما يجري وحقيقة ما يسعى إليه. قال لهم: “كان في بلاد الهرمل رجل عصامي تعب حتى أرسل ولده إلى أوروبا ثم اميركا لتلقّي علوماً عالية.. ثم مات بعد وقت، وحضرت وفود كثيرة تعزّي ولده الآتي من الخارج، بينها وفد من عائلة كبيرها تقدمها خيّال كان يصرخ: رحمه الله كان آدمياً ورجلاً لمواجهة غدرات الزمان. وكان يصمت وينتظر رد فعل الابن الذي يهز برأسه. ثم يتابع: رحمه الله كان خيّراً صاحب نخوة. ثم ينتظر فيهز الابن رأسه لا يعرف ماذا يفعل. ثم قال وقال، والابن على نفس رد فعله البارد، حتى صرخ الخيّال: إذا كنت غير مهتمّ ولست مهتماً لما نقوله في أبيك فالأمر لا يعنيني ولن أكون أكثر اهتماماً به من أهله”.
كانت السالفة خاتمة نصيحة رئيس المجلس لوفد الاكثرية الحاكمة بالأخذ بما اقترحه من مبادرة وعدم تفويت الفرصة، وعدم جرّ البلاد الى حيث لا تحمد عقباه، بعدما تعب لوقت غير قصير من المساجلة مع فريق أتاه “مضطراً ومرغماً” لكن “كثرة الكلام الاستفهامي لا تعني سوى أمر واحد هو التسويف وما إليه”.
بداية الاجتماع، أبدى الوفد ترحيبه بجهود رئيس المجلس. وتولى الوزير مروان حمادة الإشادة بـ“رجل الدولة وبمكانته لدى جميع اللبنانيين والدور الوطني الذي يؤديه في ظل التعقيدات القائمة، وإننا سنسير معك الى آخر الطريق ونقبل بمبادرتك، لكن لدينا بعض الملاحظات”. ثم تولّى النائب جورج عدوان إيراد هذه الملاحظات، التي تركّز على ضرورة تعديل جدول الاعمال، مــــــورداً الـــــــنقاط واحدة واحدة من رئاسة الجمهورية الى مــــــــصير سلاح المقاومة الى مــــــــلف المحــكمة الدولية والنقاط السبع الخاصة برئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
لكن منطق فريق الأكثرية يقوم على الآتي: إن المشكلة ليست محصورة في بند او بندين، وإن هناك مؤسسات دستورية تتولّى امر قانون الانتخاب، وإن بديل تغيير الحكومة هو البحث في طريقة لتوسيع المشاركة او تفعيل الشراكة، وإن هناك مجالاً للبحث في هذه الأمور بدل العمل على طرح التغيير وتعقيد الامور وتحقيق اهداف لا صلة لها بما يرفع من شعارات. وإن هناك حاجة لإعادة مناقشة خلفيات الحرب الاخيرة على لبنان وتحديد دقيق لمن بيده قرار الحرب والسلم. وكذلك هناك ضرورة لتثبيت النقاط السبع كيلا يصار الى الالتفاف عليها. وبالتأكيد هناك حاجة لضمان تمرير مشروع المحكمة الدولية وعدم عرقلة التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. مع تركيز على أن ملف رئاسة الجمهورية هو اساس المشكلة ومنه ينطلق الحل. وإن التشاور بين القوى المؤلّفة للحكومة يمكن أن يؤدّي إلى تفعيل أمر المشاركة وإزالة بعض الالتباسات التي قامت أخيراً. والاتفاق على آلية لإدارة البلاد إذا كان صعباً إطاحة لحود وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. ولم ينس الوفد الإشارة الى ارتباطات لعدد من اقطابه، وهو ما يعوق عقد الاجتماع الاثنين، والتشديد على أنّ تحديد مهلة زمنية يمكن أن يكون بمثابة عقدة بحد ذاته، كما هي حال جدول الأعمال.
وكـــــان لبري ردوده على النقاط واحدة تلو أخرى:
1 ــ رئاسة الجمهورية: قال بري إن الحوار الذي قام سابقاً توصل الى نتيجة غير مرضية، وكان هناك انقسام واضح وعدم اتفاق. وإن الامر مؤجّل الى حين توافر فرصة اتفاق جديد. وليس بين ايدينا ما يقول العكس. وبالتالي فإن ايراد هذا البند لن يحقق شيئاً. وعندما نعود لاحقاً الى جلسات الحوار نواصل البحث عن حل لــــهذه المشكلة.
2 ــ في ملف سلاح المقاومة: قال بري إن جلسات الحوار كانت قد اقتربت من المداخلات الأخيرة، وكان لي أنا تصورّي ومشروعي، وكنت شديد التفاؤل بأنه يصلح لمعالجة المشكلة نهائياً. وبالتالي فإن ما حصل في الحرب لا يغيّر في أن الحوار في هذه المسألة يجب أن يستكمل جدياً، وهو يحتاج الى وقت وبالتالي لا داعي لطرحه الآن، وليس هناك من يهرب من مواجهته.
3 ــ ملف النقاط السبع: قال بري إن هذه النقاط أُقرّت في الحكومة ووافق عليها الجميع بمن في ذلك حزب الله. ثم أقرّها اللقاء الروحي العام وأخذ بها العرب وكل العالم، فلماذا توضع بنداً على طاولة تريد مناقشة أمور خلافية، وهل هناك من حاجة الى تثبيتها وقد أُقرّت بالكامل.
4 ــ ملف المحكمة الدولية: قال بري إن جلسات الحوار أقرّت الأمر، والنقاش الآن له طابع إجرائي، وليس هناك من يعارض الوصول الى معرفة حقيقة من قتل الرئيس رفيق الحريري. لكن هناك ضرورة لمناقشة نطاق عملها وحدود صلاحيتها وعدم جعل العمل القضائي مسيساً، وليس لدينا وظيفة لأن نجعل من المحكمة وسيلة لمعاقبة معارضين أو للنيل من نظام او حكومة لسنا معها على وئام.
ومع أن بري عرف ما وراء الكلام والأسئلة، فهو أكّد أن البحث في موضوع جدول الأعمال يجب أن يكون واقعياً. و“برغم أنني قلت إنه لا زيادة ولا نقصان عليه، الا أنني موافق على تعديل من خلال خفض البندين وحذف احدهما”. وقال: “لقد أقرّت لجنة وطنية برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس مشروعاً لقانون انتخابات جديد، والكل يريد إقرار القانون بأسرع وقت، وإذا لم يكن لديكم ملاحظات على المشروع فلنسر به. الطرف الآخر موافق عليه وهو مستعد للأخذ به فوراً. واذا لم يكن الأمر يحتاج الى نقاش فلتقرّه الحكومة ثمّ نحيله الى المجلس لمناقشته بأسرع وقت ممكن دون أن نحيله على طاولة التشاور. اما البند الخاص بتأليف حكومة وحدة وطنية، فهو ضروري، وأنتم تعرفون أنه في حال تأليف هذه الحكومة فسيكون بمقدورها البت بكل العناوين الخلافية الأخرى”.
كان بري يعرف أن زواره لا يملكون غير نقل الرسائل. وهو قال لهم إنه تبلّغ اعتذار أقطاب، وعاد النائب وائل أبو فاعور وأبلغه أن جنبلاط لن يعود قبل منتصف الاسبوع الجاري، وما دام هناك جلسة تشريعية وعطلة يوم الأربعاء ونهاية اسبوع، فليكن التأجيل الى الاسبوع المقبل، وهو ما حصل.
لكن بري قال لزواره: “هناك ماكينات ووسائل إعلام تابعة لفريق الأكثرية تبثّ شائعات وأخباراً تحريضية لا تعبّر عن مسؤولية وتهدّد الأمن في البلاد، وهذا أمر مؤسف وخطير. وما لدي قلته وما عندي قدّمته ولكم الخيار”.