جورج شاهين
توسعت دائرة الدعوات إلى التمهل في التعاطي مع الملف الحكومي، ومعها المساعي للتخفيف من التشنج الذي تسببت به التصريحات الأخيرة خصوصاً تلك التي اتخذت المنحى الحاد بين القيادات المسيحية، انطلاقاً من المنطق الذي يقول ان الوقت لم يحن بعد للبحث في موضوع الحكومة لأكثر من سبب. فالظروف التي تعيشها البلاد لا تسمح بمثل هذا النقاش مهما كانت الأسباب.
وأصحاب هذا المسعى يقولون إن المعطيات الأقليمية والداخلية لا تسمح بالجدل القائم حول مصير الحكومة لأسباب عدة ابرزها:
- ضرورة انتظار صدور التقرير الثاني للأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان المتوقع قبل الرابع عشر من الشهر الجاري، والذي سيشرح فيه لمجلس الأمن ما تحقق من بنود القرار 1701 وما لم يتحقق.
- تأمين الظروف السياسية الهادئة في الداخل لمواكبة المساعي الجارية للإعلان عن اتفاق نهائي لوقف اطلاق النار بالتزامن مع انتشار القوات الدولية، والذي يلي تلقائياً قرار وقف العمليات العسكرية الذي صدر في 11 آب الماضي.
- تأمين الأجواء التي تحمي الجهود الدولية المبذولة لفك الحصار الإسرائيلي على لبنان، والتي يشارك فيها اكثر من مسؤول اوروبي وأميركي، وقد باتت احدى المبادرات المنتظرة، بالتزامن مع الاعتصام الذي دعا اليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدءاً من صباح اليوم في ساحة النجمة، على قاب قوسين أو أدنى من ان تؤتي ثماراً ايجابية خلال الـ 24 ساعة المقبلة.
هذا على المستوى الإقليمي والدولي، يضيف دعاة التريث، اما على المستوى الداخلي فهناك عناصر اخرى علينا احتسابها بدقة لأن آثارها قد تكون الأكثر أهمية، وهي تتصل بالحاجة الى ترميم العلاقات الداخلية بين اللبنانيين بعدما اهتزّت بفعل الزلزال الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي، فلا يكفي أن نفتح النيران على الحكومة من دون البحث عن البديل الذي سيرثها، وإذا كانت الاستعدادات من داخلها قد اتخذت على النحو والتوقيت المناسبين لفتح المعركة، والاستفادة من قدرات فريق «حصان طروادة» الحكومي.
على هذه الأسس يبني الفريق المتريث انتقاده للخطأ الذي ارتُكب في التوقيت المبكر الذي فتحت فيه النار على الحكومة وعلى فريق الأكثرية الذي يدعمها ــ بكل ما أوتي من قوة السلطة وقدراتها المادية والمعنوية والسياسية ــ. ومعروف رهان الحكومة على جرعات الدعم التي تتلقاها دورياً، والتي جاءت اولاها من صور يوم الخميس على لسان الرئيس بري، الذي نقل عنه قبل خطاب صور وبعده ما معناه: «ان مصير الحكومة غير مطروح الآن ما دام البديل غير متوفر، لا بل متعذر، وأي خطوة في هذا الاتجاه ستكون قفزة في المجهول تقودنا الى الفراغ المحتوم».
ودعاة التريث لا يقولون إن البحث في الوضع الحكومي مرجأ الى اجل غير مسمّى، بل على العكس، فالتطورات التي افرزها العدوان لا تقتصر على ضرورة الإتيان بحكومة وفاق وطني فحسب، بل إن هذا المطلب يجب أن يكون على نار خفيفة، فالمرحلة تقتضي تمتين الوحدة الداخلية وإزالة الكثير مما علق في اذهان فئات لبنانية واسعة من عكر الحرب والشائعات التي راجت خلالها، وإن كان بعضها ينطبق عليه القول «لا دخان من دون نار».
لكن يخشى ألاّ تلقى أي من هذه النصائح آذاناً صاغية، فقد بات واضحاً أن طرفي الصراع زجّا منذ اللحظة الأولى بكل اوراقهما في المعركة، وأن المزيد منها لن يغير في خريطة المواقف والمواقع التي سيتعزز فرزها خلال الأيام المقبلة على خلفية الوضع الاقتصادي والمعيشي وملفات الإنماء والإعمار والإغاثة.