الوفاق الحقيقي خير من الثلثين في الحكومةأنطوان سعد

انحياز البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير الى السيادة الوطنية غير قابل للمساومة، لأن «السيادة لا تتجزأ. لا توجد نصف سيادة، إما سيادة كاملة للدولة والقانون، وإما ليست هناك سيادة».
بهذه الجملة الواضحة، يجيب سيد بكركي عن تساؤلات زائريه عن الأوضاع في لبنان والجدل الحاصل حول تقديم السيادة على التوازن أو التوازن على السيادة. غير أن ذلك لا يعني أنه يغض الطرف ــ كما يحاول مسيحيو 14 آذار ــ عن الخلل الكبير في التوازن داخل الدولة اللبنانية بكامل مفاصلها وأجهزتها ومؤسساتها السياسية والإدارية والإنمائية.
ويردّ البطريرك صفير، كما سائر الأوساط السياسية والفكرية المسيحية المستقلة، استمرار هذا الخلل بعد انسحاب القوات السورية، بالدرجة الأولى، إلى انقسام الواقع السياسي المسيحي وتوزع أقطابه على محوري النزاع الصامت بين تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي من جهة، وحزب الله من جهة أخرى. وتحميل المسؤولية للعماد ميشال عون ولمسيحيي 14 آذار لا يقلل، بالطبع، من مسؤولية أركان التحالف الرباعي عن واقع الخلل الكبير الذي يهدد مستقبلاً جوهر الكيان اللبناني ومعناه. لذلك يدعو سيد بكركي المسؤولين إلى معالجته قبل أن يتفاقم ويصبح من الصعب معالجته.
والتمسك بالسيادة الذي تبديه الأكثرية الحاكمة والتصدي للأزمات الطارئة لا يعفيانها من الانكباب على معالجة الخلل، وفي أسوأ الأحوال السياسية والأمنية، لا يمنعانها من وقف الإمعان في نهج تعزيز القبض على مقدرات الدولة واستغلال السلطة لمنافع فئوية. فبدل أن تعالج التجاوزات، رشحت معلومات عن هيئة الإغاثة تفيد أن المشتريات الضخمة من المواد الغذائية التي قامت بها اقتصرت إلى حد ما على عدد من التجار البيروتيين السنة المعروفين بولائهم لقصر قريطم. وعندما اعترض وزير مسيحي على علاقة بهذا الملف، حصلت عملية شراء من تاجر يخصه.
أما مطلب توسيع الحكومة تحقيقاً للتوازن وتوفيراًًًً للمشاركة فقد يخفي في طياته رغبة مبيّتة من حزب الله في نزع ورقة الثلثين في مجلس الوزراء من يد تحالف المستقبل ــ التقدمي، وبالتالي، حرمانهما من التقرير في المسائل الأساسية التي حددها الدستور، ما قد يعني إضعافاً للسلطة التنفيذية، وربما جعلها تحت رحمة الثلث المعطل الذي يصبح إذّاك قادراً على إسقاط الحكومة ساعة يشاء. وهذا أكثر ما يخيف الأكثرية ما دام رئيس الجمهورية إميل لحود في قصر بعبدا.
ولكن ما تجدر الإشارة إليه أيضاً أن الحكومة في وضعها الراهن ليست أكثر قدرة على اتخاذ القرارات بدليل سعيها الدائم خلال الأزمة إلى توفير إجماع على قراراتها. وقد يكون من الصعب عليها، وربما من المستحيل، اتخاذ قرارات جذرية وزجرية ضد حزب الله إذا قرر التمسك بسلاحه، على رغم رفض غالبية اللبنانيين لهذا السلاح، لأن لا الجيش اللبناني ولا القوات الدولية التي تتوافد تباعاً إلى لبنان متحمّسة لخوض مواجهات عسكرية مع الحزب.
وفي المقابل، إذا جرى توسيع الحكومة لتمثيل تكتل الإصلاح والتغيير، لن يكون سهلاً على العماد عون المضي في سياسات تناقض الاتجاه المسيحي العام والمخاطرة برصيده الشعبي الذي أصابه اهتزاز بسبب مواقفه الأخيرة من حزب الله. لذلك سيكون من الصعب عليه أن يلعب لعبة خطرة كمثل استقالة ثلث الحكومة أو تعطيل اتخاذ قرارات ضرورية لاستقامة الوضع في لبنان، لأن ذلك سيعني انهيار قواعده الشعبية التي وفّرت له، في ظل ظروف معروفة، التأييد الذي مكّنه من اعتبار نفسه الممثل الأبرز للمسيحيين.
إن مخاوف الأكثرية من نيات حزب الله إلى حد ما مشروعة، ولكن ما يجب أن تتنبّه له هو أن غالبية الثلثين في السلطة التنفيذية لا تعني الكثير. ففي الجمهورية الأولى كانت كل السلطات والصلاحيات في يد رئيس الجمهورية وحده، وعلى رغم ذلك وجد نفسه في كل الأحيان وعند كل المنعطفات غير قادر على ممارسة صلاحياته، مصطدماً بالواقع الميداني وبتمسك بعض القوى بالكفاح المسلح على رغــــم رفـــض غالبــــــية اللبنــانيين.
صحيح أن لبنان لن ينهض ما دامت السلطة غير فاعلة فيه ولكن الأصح بعد التجربة أن الوفاق الحقيقي هو الضمانة الوحيدة للاستقرار في لبنان، لا الأكثريات في مجلسي النواب والوزراء ولا الجيش ولا قوى الأمن الداخلي، ولا الميليشيا بالطبع.