يفتقد قصر العدل في بعبدا إلى أدنى مقومات هذه التسمية. فمن يزور مبنى قصر عدل بعبدا للمرة الأولى ويراقب قاعاته وممراته فلا بدّ من أن يصاب بالصدمة، فكيف اذا اطلع الزائر على خفاياه ومشاكله المأساوية.
يقع مبنى قصر عدل بعبدا على مساحة عقارية ضيقة لا تتعدى الأربعة آلاف متر، تحيط به من الجهة الشمالية والشرقية أبنية السرايا ومالية بعبدا والدوائر العقارية، ومن الجهة الغربية مبان سكنية تكاد تلاحقه، أما من الجنوب فتنتشر العقارات التي حوّلها أصحابها الى مواقف خاصة لسيارات زوار القصر والمحامين والمتقاضين والموظفين، واللافت أن مالكي المواقف ينتشرون على مداخلها ويتنافسون على اقتناص أكبر عدد من الزبائن ليحلّوا ضيوفاً على كاراجاتهم التي غالباً ما تختنق بالسيارات في ساعات ذروة العمل ومواعيد انعقاد جلسات المحاكمة والتحقيق.
أما القضاة الذين ليسوا أحسن حالاً من الموظفين والمواطنين لافتقادهم الى مواقف لسياراتهم، فما زالوا يدفعون أجرة ركنها في انتظار حل لا يبدو أنه قادم في المدى المنظور.
هذه مشكلة قصر العدل في بعبدا من الخارج، أما من الداخل فالقصة درامية الى أبعد الحدود، إذ إن المبنى الذي يتألف من ثلاث طبقات ذات مساحات غير واسعة كفاية، يضم أربعين في المئة من مجمل الدعاوى القضائية في لبنان عموماً، إذ تشغل الطبقة الأولى منه النيابة العامة وأقلامها وعدد من قضاة التحقيق ومخفر الدرك الذي يتولى عناصره حماية المبنى والموقوفين الذين يودعون في النظارة حتّى انتهاء استجوابهم قبل نقلهم الى السجون المركزية، أما الطبقة الثانية فتضم قاعة محكمة الجنايات وقلمها وأمانة السر وثلاث قاعات لمحاكم الاستئناف، والدرجة الأولى والقضاة المنفردين، إضافة الى مكاتب رؤساء هذه المحاكم والمستشارين، وعدد من قضاة التحقيق والصندوق المالي وقلم محكمة مخالفات السير، فيما يشغل الطبقة الثالثة كل من الهيئة الاتهامية ومكتب الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف ومستشاريه، ومكاتب ثلاثة قضاة منفردين وقاضي تحقيق.
وفي رأي أهل الاختصاص والدراية من القضاة والمحامين فإن مبنى قصر العدل في بعبدا وغرفه وقاعاته لا تكفي لاستيعاب دعاوى أحد الأقضية في لبنان، ويسأل هؤلاء الى متى سيستمر هذا الواقع الصعب؟ وكيف السبيل للخروج من هذه الأزمة التي مرت عليها سنوات طويلة وتبدو طويلة الأمد؟، ويشيرون الى أن هذا المبنى الضيق فيه ما يزيد على ستين قاضياً يداومون فيه يومياً ويتألفون من نائب عام استئنافي، وستة محامين عامين، قاضي تحقيق أول وستة قضاة تحقيق، ثلاثة رؤساء لمحاكم الجنايات وستة مستشارين، تسع غرف لمحاكم الاستئناف في كل منها رئيس ومستشاران، ست محاكم درجة أولى في كل منها رئيس ومستشاران، عشرة قضاة منفردين وقاضيان عقاريان إضافة إلى 12 قاضياً هم أعضاء إضافيون في محاكم الجنايات والاستئناف والدرجة الأولى.
وتتحدث مصادر قضائية في قصر العدل عن أن في بعض الأماكن مكتباً واحداً لأكثر من قاض، كما أن قاعات المحاكم القليلة لا تستوعب أعداد الجلسات التي تشهد تزايداً شهراً بعد شهر، وسنة بعد أخرى، وهذا ما يتسبب أحياناً بعقد الكثير من الجلسات في مكاتب رؤساء المحاكم ومكاتب القضاة المنفردين، بطريقة لا تتناسب مع أصول المحاكمات الجزائية والمدنية، لكن القضاة يضطرون في معظم الأحيان الى ذلك تلافياً لتأجيل الجلسات وعدم تزايد الملفات، وبالتالي والأهم من كل ذلك تسهيلاً لأمور الناس الذين يتكبدون مشقة ومصاريف الانتقال يومياً من أماكن سكنهم وأحياناً من مناطق بعيدة الى العدلية.
هذا من الناحية الإدارية واللوجستية، أما من ناحية وضع المكاتب والمحاكم على قلتها، فيبدو الاهتمام غائباً إن لم يكن معدوماً، ففي جولة سريعة على بعض هذه المكاتب تبين أن الكثير منها يفتقد الى الأثاث اللائق والتكييف وحتى الدهان، كما أن الإنارة غير متوافرة بشكل كاف في غالبيتها، وهذه الحال تنسحب على قاعات المحاكم التي لا تتعدى المقاعد الخشبية الأربعة أو الخمسة في كل منها، بينما يبقى عشرات المتقاضين واقفين في انتظار أدوارهم، ويظلّ هذا الوضع مقبولاً أمام منظر مكاتب يغزوها المطر في فصل الشتاء بالنش من الأسقف والجدران والنوافذ، وتكويها حرارة الشمس في فصل الصيف، لينطبق عليها المثل الشعبي «في الصيف حريق وفي الشتاء غريق»، أما بشأن الغرف المخصصة لتوضيب الملفات وحفظها، فيصبح المشهد محزناً ومأساوياً، لأن مئات الملفات المكدسة وأحياناً بطريقة عشوائية تسللت اليها الرطوبة، وتآكل بعض منها حتى أتلف محتواها، وقد يحتاج المواطن الى باحثين كثر للعثور على ملف له إذا أراد ذلك في يوم ما، لأن لا تنظيم ولا ترتيب فيها. أما الحمّامات التي تحوي المغاسل والمراحيض فمعظمها معطل وقاصدها يجد على أبوابها عبارة «مقفل بسبب التصليح»، وهذه العبارة موجودة منذ أشهر وربما أكثر من دون أن يقصدها مصلحون.
وتنتهي الجولة عند المقلب الإنساني، أي أمام النظارة التي يستحيل الاطلاع عليها أو تفقدها إلا بإذن مسبّق، لكن مطلعين على وضعها يرفضون وصفها، إلّا أنهم لا يخفون أن حالتها كارثية، وتكفي إشارتهم الى حرمانها الشروط الصحية والتهوئة والنظافة، الى حدّ أن أحدهم قال «كفانا الله شر رائحتها القاتلة» وخصوصاً في حر الصيف.
ويبدو أن واقع قصر العدل في بعبدا ليس مجهولاً بالنسبة الى وزارة العدل التي تسعى منذ سنوات الى شراء قطعة أرض كبيرة لبناء القصر الواسع والحديث والمتطور عليها، وهي أجرت مفاوضات مع أصحاب العقارات الواقعة في المنطقة لاستملاكها ولكن من دون جدوى.
(الأخبار)


أبرياء حتى تثبت إدانتهم

وزّع أمس أحد الأجهزة الأمنية الرئيسية في لبنان صورة عن 6 شباب موقوفين اعترفوا بسرقة دراجات نارية واستعمالها في عمليات نشل.