عمر نشابة
توزّع مكاتب العلاقات العامة التابعة للقوى الامنية في لبنان على وسائل الاعلام بلاغات وصور موقوفين في المفارز والمخافر التابعة لها، وتعمّم أخبار عن إجراءات وأعمال تقوم بها وفقاً للمهمات القانونية الموكلة إليها.
إنّ نظام العدالة يعتبر الموقوف بريئاً حتى تثبت ادانته أمام محكمة عادلة توفر له كل حقوقه بالدفاع عن نفسه أو توكيل محام للدفاع عنه. وبالتالي فكل شخص موقوف لدى القوى الأمنية، حتى لو أوقف بالجرم المشهود، ينبغي أن يعامل معاملة البريء على ذمّة التحقيق. لا سلطة ولا حقّ للأجهزة الأمنية في الإدانة وإصدار الأحكام، شكلياً ولا فعلياً. هذا لا يعني أن الشخص البريء لا يجوز أن تؤخذ بحقّه إجراءات أمنية كالتوقيف والمراقبة وحتى التنصّت على مكالماته الهاتفية مثلاً من خلال استنابة قضائية وطبقاً للمعايير القانونية. لكن نشر صور أشخاص موقوفين وتوزيعها إدانة لهم. فهذه الصور تصنّفهم تصنيفاً جرمياً قبل أن يصدر الحكم، لا بل قبل أن تنعقد المحكمة. وهذا تصرّف تعتمده الأنظمة الاستبدادية التي تعتبر أن السلطات الأمنية لا تخطئ وأن رجل الأمن يحكم بين الناس. ماذا لو اعتبرت المحكمة الموقوفين الذين عمّمت صورهم القوى الامنية أبرياء؟ هل تفقد القوة الأمنية عندها صدقيتها بين الناس أو يقوم القاضي بجهد «خاص» ليدين المتّهم البريء حتى لا «يتبهدل» الجهاز الأمني المعني بنشر الصورة؟ قد لا يحصل هذا ولا ذاك لكن الأكيد أن الصورة تذل الموقوفين وتشوّه سمعتهم بين الناس. وحتى لو صدر حكم براءة فهم مدانون من المجتمع الذي شاهد صورهم في الصحف وعلى شاشات التلفزيون مكبّلين تحيط بهم عناصر أمنية وأمامهم في بعض الحالات مجموعة أغراض ووراءهم سيارات أو دراجات نارية اعتبرها التحقيق «مسروقات».
لماذا لم توزّع الأجهزة الأمنية صوراً لوزراء ونواب سابقين، ولرجال أعمال ألقي القبض عليهم، في بعض الحالات النادرة، بجرائم احتيال وسرقة أموال وممتلكات تفوق قيمتها الدراجات النارية بالملايين؟