strong>يتمنى قضاة ومتقاضون في البقاع أن لا تنتهي العطلة القضائية في قصر العدل في زحلة هذا العام. التمنّي المقرون بوجع وحزن يأتي جرّاء ما يعانيه "العدل" في لبنان من مدّ وجزر.
البقاع - نقولا أبو رجيلي - عفيف دياب

قبل وصولك إلى مبنى قصر العدل في مدينة زحلة ينتابك "القلق" وتنطلق لائحة الأسئلة التي لا تنتهي. أين سأركن سيارتي؟ كيف سأصل إلى "درج" المبنى من دون أن "تعلق" ثيابي بسيارات مركونة "حشراً" أمام أبواب القصر؟ وكيف سأصعد إلى الطبقة الثانية أو الثالثة أو السادسة من دون عناء الوقوع على "الدرج" المتعب؟ وهل "المصعد" عامل وفاعل أم أنه كالعادة مصاب بعطل أو بسبب انقطاع التيّار الكهربائي، ويحتاج إلى من يصدر "حكم" تحسين شروط عمله؟ تقول محامية إن قاضياً أجّل جلسة من شهر آذار الماضي إلى كانون الثاني المقبل "لأن موكّلي معوق لا يستطيع صعود الدرج... ولا يوجد مصعد".
ينتاب "قضاة" قصر العدل في زحلة القلق الدائم. يقطعون مسافات طويلة حتى يصلوا "القصر". لا يبدأ نهارهم "القضائي" قبل انتصافه. عليهم أن يعبروا "نصف لبنان" حتى يصلوا إلى "محاكمهم" في السهل المنتظر "توازن" الإنماء وعدله.
حدّث ولا حرج. "محامون" أتعبتهم "قضايا" عالقة و"مؤجّلة" من يوم إلى سنة. غرف "القصر" مثقلة بالقضايا "المكدّسة" في ملفّات قد تتلف أوراقها مع "الزمن"، والبرد القارس. يقول محام: "أخاف أن أتقاعد قبل أن تنتهي قضية لم يبتّ بها بعد". كم من محام صدر "حكم" الله بانتقاله إلى "ملكوته" قبل أن يصدر حكم قضية مكلّف بها من مواطن أتعبه الزرع والحرث في السهل؟
تدخل غرفة المحامين في قصر العدل، وتلحظ فوراً "تعبهم". يأخذون نفساً عميقاً قبل أن يصعدوا نحو "قضاياهم" على درج يزنّر القصر. لحظة دخولك ينتابك الحزن. وتسأل: "لماذا يا ترى قصور "عدلنا" في لبنان لا تشبه قصور العدل في البلاد الأخرى شكلاً ومضموناً؟
على مدخل مدينة زحلة، وعند محاذاة مجرى نهر البردوني، يتموضع قصر العدل. لقد أصبح عنواناً ومعلماً رئيسياً في المدينة. هندسته المعمارية جميلة نسبياً، أو لا بأس بها على مساحة تقارب الـ800 متر مربع.
عرفت مدينة زحلة قصر العدل قبل نحو أربعة عقود. كان المبنى الحالي في مكان آخر قبل أن يشيّد في مطلع الثمانينيات. عندما أنجز بناء قصر العدل الحالي تحوّل إلى صرح مميّز في مدينة زحلة، وأصبح بعد انتقال العمل إليه معلماً من معالم المدينة... وتاريخاً مرّ عليه "الزمن".
تبدأ معاناة قصر "عدل زحلة" من الخارج. لا مواقف للسيارات. الباحة أمام القصر محجوزة سلفاً للقضاة... ويا أيها المحامون "دبّروا حالكم". ما من أحد حتى اليوم استطاع توضيح "سر" إقفال الطبقة الأرضية وعدم تحويلها إلى موقف للسيارات بدل "الأتربة" و"الأوساخ"، وبقايا "الحشيشة" وآلات تصنيعها التي صادرتها القوى الأمنية خلال السنوات الماضية...
إجراءات أمنية مشددة تتخذها القوى الأمنية المولجة حماية قصر العدل. هناك وحدة حال بين رجل الأمن وكل زوّار "القصر". إنهم يعرفون كل الوجوه التي تدخل إلى المبنى. فتكرار الزيارات حوّل الجميع إلى أصدقاء هناحراسة" قصر عدل زحلة مؤمّنة على مدى ساعات النهار والليل، وعلى مدى أيام السنة وفصولها وأعيادها وعطلها الرسمية. في غرفة عازلة تقوم "سيّدة" أمنية بتفتيش النسوة، ويقوم "رجل" بتفتيش الرجال بعد العبور تحت "قوس" إلكتروني للمراقبة.
"النظافة" مقبولة في أروقة قصر العدل وغرفه. ولكن "أعقاب" السجائر منتشرة في كل مكان. وكذا حال الأوراق "الممزقة".
يفتقد قصر عدل زحلة الى الكثير من الخدمات. تبدأ بالتيار الكهربائي الذي يقنّن على القصر اسوة بأحياء المدينة وجوارها. لم تُجدِ مطالبات المعنيين بتأمين التيار الكهربائي الرسمي على مدار ساعات العمل ـ كحد أدنى ـ ما أوجب الاستعانة بالتيار الكهربائي الخاص، أو الاشتراك في مولد ينتج الطاقة والضجيج والتلوث، وهو لا يقدر على "تشغيل" المصعد الذي يشبه قفصاً للتوقيف، ما يلزم الزائر بالصعود على "درج" وكأن حكماً بالإعدام قد صدر بحقه!
الأعمال القضائية في قصر عدل زحلة موزعة على معظم أقسام "البناية"، من غرف للقضاة والموظفين وثلاث قاعات للمحاكم، أعلاها درجة محكمة الجنايات، وهناك أقسام خصّصت لمفرزة زحلة القضائية ومكتب مكافحة المخدّرات، وفرع المعلومات، ونظارة قصر العدل للتوقيف (التي لا تستوفي الحد الأدنى من الشروط والمواصفات الصحية المطلوبة)، وجناح في الطبقة الأرضية يشغله المحامون، وصندوق للمالية لدفع الغرامات القضائية، ومكاتب لتعاونية موظفي الدولة. وهناك ملحق في (الجهة الشرقية) مؤلف من طبقتين، إضافة إلى الطبقة الأرضية التي يستخدمها مكتب الأدلة الجنائية. وتتحدث معلومات هنا بأن الطبقتين الباقيتين قد جهّزتا لإنشاء مكتب لمكافحة الإرهاب في البقاع.
مفوض نقابة المحامين في البقاع المحامي وجيه حداد عدّد بعض المطالب التي يراها ضرورية ولا بدّ منها، وأهمها: تأهيل واستعمال الموقف الموجود تحت المبنى وإيجاد حلول لمواقف السيارات خارج قصر العدل، وتأمين التيار الكهربائي بشكل دائم، ولا سيما أن القصر يحتــــــــاج إلى مولد للكهرباء لتأمين الإنارة وتشغيل المصاعد وأجهزة التدفئة والتبريد.
ويتمنى محامون "استحداث محكمتين جديدتين نظراً لكثرة الملفات القضائية، الأولى للجنايات والثانية جزائية، وزيادة عدد الموظفين، وخاصةً في قلمي محكمتي البداية والجزاء، وحاجة صندوق المالية إلى موظف آخر، وتحديث أجهزته القديمة العهد، إضافة إلى أمور أخرى تعرفها وزارة العدل بشكل أدق وأكثر تفصيلاً وأبرزها الإسراع في البتّ بالدعاوى وإنجاز "الملفّات" المتراكمة منذ سنوات، ولا سيما أن قاضياً واحداً يشغل أكثر من محكمة وينظر في أكثر من قضية هي من اختصاص أكثر من قاض (قاض واحد ينظر على سبيل المثال في قضايا مالية وعقارية وأمور مستعجلة).


ثلاثة ضباط ما زالوا صائمين