strong>رهيف فياض معماري بالمعنى النبيل للكلمة. أكاديمي يدرّس في الجامعة اللبنانية، منخرط في حياة المدينة، أي في الشأن العام. كان له دور مميز في السجالات التي صاحبت إعادة إعمار الوسط التجاري للعاصمة بيروت، حيث بلور افكاراً نقدية لمشروع «سوليدير». واكب التطورات اللاحقة ووجّه نقداً لاذعاً الى كل محطة من محطات العمران التي خالفت رؤيته للأمكنة ووظائفها. يرفض رهيف فياض فكرة أن المدن تخرج من رؤوس المعماريين، إنها في عرفه كائن حي يولد وينمو ويعيش ويتطور ويخترع نفسه يومياً، بالتأقلم مع ضرورات البشر وحاجاتهم. ومع تجدد الحديث عن اعادة اعمار ما دمره العدوان، يتدخل فياض ليحذر من استكمال التدمير، وليدعو الى الترميم المحسّن، وإلى المحافظة على الهيكل العام، ومداواة جراح الحرب. يريد لأهل الضاحية ان يسكنوا ثانية «ضاحيتهم» لا ضاحية متخيلة. أكثر ما يستفزّه، بسبب دوافع التدمير، الدعوة الى «دمار وسط العدوان». لا ضرورة للذكرى، يقول بحسم، كنا في حالة مقاومة، فلنستمر فحسب: نعمّر ونقاوم.

رهيف فياض

Ι
كثر هم المعماريون، وأكثر منهم الباحثون في الشأن المديني، ومخططو المدن ومنظِّموها، الذين يعتقدون أن الدمار الذي تخلِّفه الحروب، هو أقصر الطرق التي تتيح لهم تحقيق أحلامهم في بناء مدن مثالية، فيهدمون المباني المتصدّعة جزئياً، وهذه التي تجاورها، وتلك التي بعدها أيضاً، حفاظاً على السلامة العامة... يقولون.
ويزيلون الطرق الرئيسة، والطرق الفرعية، والفسح، والساحات إن وجدت. يقطعون الشجر الباقي ويهدمون كل المعالم. يزيلون كل أثر للماضي القريب أو البعيد، وكل معلم يداعب الذاكرة.
باختصار، يوسعون المجالات المدمرة أضعافاً، ويزيلون الركام باحتراف عال، فتبدو لهم «طاولة المكان» أفقية، فسيحة، فارغة، نظيفة، إلا من أوهامهم، التي سيرصفونها كالفسيفساء في مخططاتهم الجديدة، وقد استعملوا في كتابتها أكثر التقنيات الرقمية حداثة وإبهاراً. ثم يعمدون بعد ذلك إلى ضم وفرز جديدين، وإلى إعادة رسم العقارات، وتغيير أشكال الوحدات المبنية، وتوسيع الطرق الرئيسة وجعلها مستقيمة قاطعة كحد السيف، وتغيير المسارات الفرعية، وتعديل كل المخططات القديمة.
باختصار مرة أخرى، سيعمدون إلى تصحيح الأوضاع التي كانت قائمة قبل الدمار... يزعمون. ويتصورون مدناً مثالية تقوم في الأمكنة الشاسعة الفارغة.
مدن مثالية، نظيفة، كل ما فيها مستقيم منتظم، يسكنها ناس آليون، معقّمون، يعملون بالريموت كونترول أو إذا أردتم، بنظام التحكم عن بعد.
كثر من هؤلاء هم مثاليون حقيقيون، تمتزج عندهم الرغبة الصادقة بتحسين الأطر المبنية حيث يعيش الناس، بالشطط الفكري، وبالأوهام.
إلا أن خطاب الكثيرين منهم، وربما أوهامهم أيضاً، يمثّل القناع الذي يختبئ وراءه رأس المال المتوحش، والشركات العقارية الضخمة. ولنا في شركة «سوليدير» مثال صارخ على ذلك. إذ هدَّمت الشركة العقارية قلب بيروت عمداً، ونظَّمت تخمينات ظالمة، أدّت إلى تهميش المالكين وأصحاب الحقوق، وإخراجهم. فتملكت الشركة العقارية قلب المدينة وواجهتها البحرية، وعدّلت مرات عدة وجهة استعمالات الأراضي وعوامل الاستثمار المعمول بها، وباعت معظم هذه الأراضي من شركات عقارية عملاقة لتبنى فوقها أبراج، يملكها أغنياء زائرون. هدمت الشركة العقارية النسيج المديني المتراكم، وطردت النسيج الاجتماعي الأصيل الذي كان يسكنه أو يعمل فيه، وأقامت مكان كل ذلك، أبراجاً أو مباني لسكن مؤقت للأغنياء. ومن البديهي أنه سيكون من الصعب أن يقوم فيها مجتمع، وأن تقوم فيها مدينة.

Π
هل هذه مقدِّمة للبحث في موضوع إعادة إعمار ما دمَّرته الحرب في الضاحية الجنوبية لبيروت؟
أجزم أنها في صلب هذا البحث، إذ أردت الإشارة فيها إلى موضوعتين اثنتين:
الأولى، وهي بعض المبالغات المنهجية، التي ترافق عادة كل بحث في إعادة الإعمار.
والثانية، خطر الأطماع بأرباح مضاعفة، تجنيها رساميل كبيرة، تحاول التلطّي بالطموح المشروع إلى التصحيح، والتحسين، والتحديث، الذي يرافق عادة كل عمليات إعادة الإعمار.
إن المقاربة المنهجية لإعادة الإعمار، تتطلب بداية، تحديداً دقيقاً لأجزاء الضاحية الجنوبية التي علينا إعادة إعمارها. هل نعيد إعمار الضاحية الجنوبية بكاملها؟ أم نعيد إعمار الأجزاء التي دمرتها الحرب؟
كما تتطلب أيضاً تذكير المعنيين بالإعمار والمهتمين به، بأنه منذ أن أنشأت الدولة بمرسوم، في شهر آب من عام 1996، «أليسار» المؤسسة العامة المعنية بترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لمدينة بيروت، والضاحية الجنوبية مقسومة تخطيطياً وتنظيمياً إلى جزءين،
¶ الجزء الأول: وهو الضاحية الجنوبية الغربية الممتدة من الحدود الجنوبية لمدينة بيروت الإدارية حتى خلده، ومن طريق المطار القديمة حتى البحر غرباً. إن المؤسسة العامة «أليسار»، معنية خصوصاً بترتيب الواجهة البحرية للضاحية الجنوبية الغربية، في الجناح والاوزاعي والمرامل، وحرش القتيل في الداخل. وكل المناطق الأخرى فيها هي مستثناة من أعمال الترتيب، ويستمر فيها العمران والبنيان وفق التخطيطات المصدَّقة والمعمول بها.
إن هذه المنطقة لم تستهدفها الحرب، ولم يصبها الدمار، وكل الأراضي فيها إما مستثناة، وإما خاضعة لمخططات الترتيب المقرَّة.
¶ والجزء الثاني: وهو الضاحية الجنوبية الشرقية الممتدة من طريق المطار القديمة، حتى الحـدود الشرقية للضاحية الجنوبية، وهذه الحدود معروفة. لقد استهدفت الحرب هذا الجزء أي الجزء الثاني. استهدفت الحرب حارة حريك، والغبيري، والشياح، استهدفت المشرفية، وبئر العبد، وحي السلّم... وغيرها. ملايين القذائف انهمرت على مجمعات مبنية في هذه البلدات والمناطق والأحياء، فدمّرتها كلياً أو جزئياً.
هل نوسِّع الدمار؟ ونعيد اعمار الضاحية الجنوبية الشرقية بكاملها؟ أم نعيد اعمار الأجزاء المدمرة فيها؟ أطرح السؤال مجدداً؟
تُظهِرُ الصور الجوية المتوفِّرة، أن الحرب كانت وحشية وقاسية، وأن التدمير في المناطق المستهدفة هو تدمير كامل أحياناً، وشبه كامل أحياناً أخرى. إلا أنه رغم قسوته فهو جزئي موضعي. وعندما نحدِّد أن ما نعيد إعماره هو أجزاء من الضاحية الجنوبية الشرقية لا الضاحية الجنوبية الشرقية كلها، فهذا يعني أن البلدات القائمة فعلاً، والأحياء التي عادت إليها الحياة بسرعة مدهشة، والأنقاض التي أزيلت في مدة زمنية قياسية، إن كل ذلك، يؤكد أن النسيج المبني القائم، والحياة التي عادت إليه، هما المنطلق الأساسي لكل بحث تخطيطي. النسيج المبني القائم والحياة فيه، يحددان المنهج الذي سيعتمد في إعادة الإعمار، والوسائل التنظيمية والعملانية الآيلة إلى تنفيذ هذا المنهج.
¶ إن كل المعطيات القائمة على الأرض، تشير إلى ضرورة الابتعاد عن الحلول الجراحية الضارَّة والمكلفة. إنها تشير إلى ضرورة تحديد فني دقيق للمجالات المبنية المدمرة، والابتعاد عن أي توسيع اعتباطي لهذه المجالات، عبر تدمير إضافي غبر مبرَّر. فالتصحيح والتحسين اللذان يطمح إليهما كل إعمار جديد، يبدآن بحصر الدمار لا بتوسيعه. لذا يرتدي الترميم من هذا المنظور أهمية بالغة. إذ إن السلامة العامة لا تعني التدمير العشوائي بدون تبصر، بل هي تعني بالدرجة الأولى، الترميم العلمي والفني المتين، والآمن.
¶ إن إعادة الكتابة التخطيطية والتنظيمية، للمناطق والأحياء التي أصابها الدمار في الضاحية الجنوبية الشرقية، يجب أن تعتمد تنظيماً مدينياً يقوم على «الخياطة» إذا صح التعبير، أو ربما أبعد من ذلك، يقوم على فن «الرتي». فالمنظِّم هنا يقوم بدور «الرتَّا»، وأدواته الفكرية والتنظيمية، هي نقيضة التنظيم المديني الجراحي المكلف والمؤذي في آن.
ــ فتتم المحافظة على الجادات، وعلى الشوارع الرئيسة، وعلى الدروب المتفرعة منها.
ــ تتم المحافظة على الساحات إذا وجدت، وعلى الانفراجات الصغيرة والفسحات، وعلى التراجعات، وعلى المسافات بين المباني.
ــ تتم المحافظة على قياسات العقارات، وبالتالي على قياسات الكتل التي ستبنى فوقها، لتأتي متجانسة مع المباني الموجودة، مماثلة التأثير في مجمل النسيج المبني القائم، الذي سيكتمل بها وبمثيلاتها.
ــ تتم المحافظة على تعدد الوظائف في المبنى الواحد كما كانت عليه سابقاً، التجارة في الطبقة الأرضية بمحاذاة الأرصفة وربما في الطبقة الأولى أحياناً، وفي الطبقة السفلية أحياناً أخرى، والسكن في الطبقات العلوية.

Ш
تهدف الجهود المبذولة للمحافظة على طابع النسيج المديني المدمَّر والذي يعاد بناؤه، وتلك المبذولة للحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي يسكنه بكل مكوناته، تهدف كل هذه الجهود إلى أمور متعددة:
أولها: إعادة إنتاج علاقة الناس بالأمكنة، وإعادة تملُّكهم لها، بحيث لا يشعرون بأية غربة عندما يعودون، أو بأي انقطاع. الحرب استمرت شهراً ونيفاً، والنزوح وقتاً مماثلاً، والإقامة المؤقتة مدة أطول بالتأكيد. إلا أن السكن في الأمكنة ذاتها مجدَّداً، يجب ألا يدلّ على أي انقطاع. بل أكثر من ذلك، أن يكون استمراراً طبيعياً للحياة، أقوى من الحرب ومن قوتها التدميرية.
على الذاكرة الجمعية للناس التي تنعشها الأمكنة، أن تتواصل باستمرار، بسلاسة، وبدفء. مدخل البناء عند الزاوية، والدكان بجانبه، والمتاجر المتجاورة بعده. الحلاَّق، وبائع الفلافل، والحانوت الصغير المتخصص بالهاتف الخلوي وبملحقاته، الشرفة الناتئة، والستارة العريضة التي تحجبها عن الشرفة المقابلة عند الضرورة. مقهى الحي الدافئ وأمامه بضع كراسي على الرصيف، وبجانبه مقهى الإنترنت العصري الصغير.
الشارع العريض المستقيم، والدروب المتعرجة المنطلقة منه، تظلِّل المارة وتحمي همسات الصبايا، وتردِّد ضحكات الشبان العالية.
وثانيها: إعادة النسيج الاجتماعي في الأماكن التي أعيد إعمارها، إلى ما كان عليه قبل التدمير، بما يسمح له بالتفاعل السريع مع النسيج الاجتماعي الذي يضج بالحياة، والذي بقي في المناطق المجاورة ولم يغادرها، أو عاد إليها بعد انقطاع قصير فور توقف الحرب.
وثالثها: إعطاء المقاومة والصمود بعداً إضافياً، وهي صفة المواجهة والتحدِّي عبر التشبث بالأمكنة، والالتصاق بها، والإصرار على العيش فيها، رغم الحروب العدوانية المتكررة، والقصف المدمِّر.

ΙV
إن هذه الرؤية، لإعادة بناء ما تهدَّم، لا تُغفل القدرة على تصحيح بعض الأخطاء، التي كانت قد تراكمت مع تراكم البنيان في الأجزاء المدَّمرة، كما أنها لا تُغفل القدرة على إجراء الكثير من التحسينات.
¶ فمن الممكن أن يلحظ المخطِّطون ضماً وفرزاً محدودين، في أماكن معينة، بهدف تصحيح الأوضاع التي رافقت نشوء التجهيزات العامة وبعض تجهيزات الأحياء، ومنها المدارس، والمستشفيات، والنوادي، وحدائق الأطفال وغيرها. فيعاد الفرز، وتتغير قياسات بعض العقارات، بحيث يمكن تحسين مجالات التعليم. فيضاف إليها المجالات الناقصة تربوياً، وتجهّز بالملاعب خاصة، وتوسَّع المجالات غير المبنية حولها، بحيث تشعر باستقلالية ملائمة، وضرورية، لحسن أدائها التربوي والإنساني. ويصحّ القول ذاته عن المستشفيات التي دمرت كلياً أو جزئياً.
¶ لقد قامت في هذه الأمكنة وظائف جديدة، استقرت كلها في مبان سكنية متشابهة. وتنوَّعت هذه الوظائف الجديدة بتنوع الحياة المعاصرة. فهي وظائف إدارية، ومكتبية، وثقافية، وإعلامية، ورياضية... وغيرها. وقد أدى استقرارها في المباني السكنية. إلى تعديل مجالات هذه المباني بشكل غير ملائم، وإلى هدر كبير بالمساحات المبنية. فمن الضروري في هذه الأمكنة، تصور مخططات تنظيمية جزئية جديدة، تشجِّع ضماً وفرزاً محدودين أيضاً، تُعزَّز فيه المساكن، وتُشيّدُ إلى جانبها أبنية جديدة ملائمة، من حيث مساحتها، وتنظيمها، وأداؤها الوظيفي، لاحتضان الوظائف الجديدة بدون هدر بالمساحات، أو تبذير.
¶ وفي إطار التصحيح والتحسين المطلوبين، فإن مخططات تنظيمية محدودة في الأماكن السكنية شديدة الاكتظاظ، تبدو ضرورية هي الأخرى. ستُضَم هنا أيضاً بعض العقارات، وسيُعادُ فرزها في ضوء المخططات التنظيمية الجزئية الملحوظة. كما سيُعادُ توزيع المباني أيضاً، ضمن القراءة الكلية، التي يفرضها النسيج المبني القائم في جوار المنطقة المدمرة، والتي يعاد إعمارها.
سيعاد توزيع المباني السكنية، والمباني المتعددة الوظائف، كما ستضاف بعض الخدمات العامة. إلا أن الهدف الرئيس من التدخل هنا، هو دفع البلديات المعنية إلى تنفيذ استملاكات محدودة لا تسيء إلى استعمالات الأراضي الملحوظة، تُلحظ فيها ساحات صغيرة، وربما بعض الحدائق العامة التي تقام فيها بالضرورة ملاعب الأطفال أولاً، وبعض النوادي الرياضية والثقافية للشباب.
¶ يبقى أن نشير في إطار التصحيح والتحسين المطلوبين والممكنين في آن، إلى أن معظم المباني المدمرة لا قيمة معمارية لها. وهي إذ يعاد بناؤها، فإنما يتم ذلك لقيمتها العاطفية والرمزية، ولقيمتها المضافة: لصيقة مفهوم المقاومة، والصمود، والتحدي.
هذه المباني، بعد أن يعاد بناؤها بكتلها المعروفة القياسات والتأثير لتتجانس مع الكتل المبنية الموجودة في المحيط، يجب بعد ذلك، أن تعيد إلى الأمكنة روحها، وأن تعيد إلى الأحياء نسيجها الحي المألوف، وإلى الشوارع عمارتها.
لا تناقض بين إعادة الروح إلى الأمكنة، وبين تعديلات جدية تطاول شكل الأبنية وواجهاتها.
ــ فالابتعاد عن إعادة الواجهات إلى ما كانت عليه ضروري. إلا أن الابتعاد عن التكلف والافتعال، ضروري ايضاً في كتابة العمارة الجديدة. والابتعاد عن الأشكال المعقدة بحجة المعاصرة ضروري أيضاً. والإصرار على كتابة عمارة أليفة مضيافة، تندمج في محيطها، ضروري أيضاً.
هل يعني ذلك أن نبني اليوم كما كنا نبني في السبعينيات؟
وهل يعني الاندماج والتجانس، كتابةً معماريةً منقولةً عن عمارة عتيقة لا قيمة معمارية لها؟
ــ فلنبتعد في التصميم العام للوحدات المبنية، عن توزيع الشرفات على كل الواجهات، بحيث تصبح عناصر تزيينية لا قيمة استعمالية لها، ولنجمعها في شرفتين اثنتين رئيستين، واحدة أمام قاعة الجلوس ومجالات المعيشة، والثانية بقرب المطبخ.
ــ ولنجعل من الطموح إلى كتابة معمارية معاصرة، حافزاً قوياً على التفتيش عن مفردات هجينة، تسمح للناتج المعماري الجديد بأن يندمج مع العمارة الموجودة في المحيط بدون افتعال.
المواد، والنسب، وشكل الفتحات، وقياساتها، والألوان، كل ذلك من العناصر التي تجعل الطموح المذكور ممكناً.
ــ وربما ساهم في ذلك إنشاء البلديات المعنية، بالتعاون مع المديرية العامة للتنظيم المديني، هيئة تخطيطية معمارية عليا، مؤلفة من معماريين مخطِّطين ومنظِّمي مدن، مشهود لهم بالثقافة وبالاطلاع الواسع، وبالإنتاج الفكري في هذا المجال، تحدثاً وكتابة. تتخذ هذه الهيئة مقراً لها بالقرب من الأجزاء المدمرة في الضاحية، في حارة حريك أو في الشياح، وتنظر في كل المعالجات التفصيلية المقترحة، التنظيمية والمعمارية، تدقيقاً، تحسيناً، وتطويراً.

V
قرأت اقتراحاً «بساحة للنصر والتحرير» في الضاحية الجنوبية. جوهر الاقتراح، «دمارٌ وسط الإعمار». يذكرنا الدمار بالحرب لضمان اللاعودة إليها.
هراءٌ كامل!
نحن لم نحارب ليضمن الدمار «لا عودتنا» إلى حرب... ثامنة، وتاسعة، وعاشرة.
نحن لم نحارب. نحن قاومنا، نحن دافعنا.
شنت أميركا وإسرائيل حرباً وحشية علينا. حرب أميركا مستمرة في افغانستان وفي العراق... حرب بوش مستمرة على «الإرهاب»، وحرب اسرائيل مستمرة في فلسطين.
«تذكار»!؟
لا حاجة بنا لأن نتذكر. نحن نرى حرب أميركا في كل مكان. نرى حرب اسرائيل المستمرة. وكل لجان التحقيق المطلوبة في اسرائيل بعد العاصفة، جوهرها البحث عن الأسباب التي جعلتها تخسر هذه الحرب، فتتجنبها، لتربح حربها المقبلة علينا.
نحن لا نتذكر، نحن نرى صور الشهداء كل يوم، ولا حاجة «لدمار» يذكِّرنا.
فلنعمِّر، ولنقاوم.